حين عودتي الى المكسيك في آذار مارس الماضي، غداة سنوات طويلة قضيتها بعيداً، دار الكلام على"الجدار". والمتحدثون هم زملاء سابقون، وأصدقاء مقربون وسائقو سيارات الاجرة وكل من التقيته في الطريق. وجميعهم علقوا، برأي أو مقترح على الجدار الذي قررت الولاياتالمتحدة بناءه، على طول الف وپ130 كلم لإبقاء المكسيكيين خارجه أو وراءه. والجدار يبلغ طوله ثلث الحدود، وقد لا يغلقها كلها. وهناك نحو 40 كلم شيدت في 1993، من جبال تيكات الى المحيط الاطلسي شمال تيجوانا. ولكن مشروع القانون، ولم يوقعه مجلس الشيوخ بعد، جاء مذلاً لشعب يعتز بكرامته الوطنية. وينظر المكسيكيون الى الجدار من زاويتين: الضغوط الحالية التي يتقدمون لها، والتاريخ الطويل من المواجهة بين الشعبين. وعندما خسرت المكسيك نصف أراضيها أمام الولاياتالمتحدة، في 1848، تحول نحو 80 الف مكسيكي الى مواطنين أميركيين. ولكنهم بقوا مواطنين من الدرجة الثانية، ما اضطر بعضهم الى الهجرة الى المكسيك. ولكنهم تمتعوا بإمكان التنقل عبر الحدود بحرية. وفي 1924، أنشأ الاميركيون إدارة حرس الحدود في إشراف وزارة الهجرة والعمل، وعرفت لاحقاً بپ"لا ميغرا"، أو عدو المهاجرين الاول. ومذ ذاك، صار كل مكسيكي يعبر الحدود خارجاً على القانون، ولو انتقل الى الأراضي التي كانت يوماً ما جزءاً من بلادهم. وفي 1929، إبان الأزمة الاقتصادية الكبرى، غلقت الأبواب في وجوههم، فرحل نحو 500 ألف منهم مع مطلع الثلاثينات. وبعد قصف بيرل هاربر، في 1941، احتاجت الولاياتالمتحدة الى العمال الأجانب. فوقعت اتفاقية أجازت للمزارعين دخول اراضيها، وسموا"براسيروس"أي الذين يعملون بأيديهم. وأذكر في الستينات، فيما كنت أجوب تكساس التقيت أحد ابناء البراسيروس. فروى لي كيف خبأهم والده وانطلق بهم مسرعاً، تفادياً لاطلاق النار عليهم من ابناء تكساس الكارهين للمكسيكيين. ولذا فمعظم المهاجرين شرعيين أم غير شرعيين يعودون الى بلادهم، بعد جني بعض المال. وفي السبعينات، استعاضت أميركا عن اليد العاملة في الزراعة بآلات حديثة. فانتشر المكسيكيون في أرجاء الولايات كلها. وبين السبعينات ومطلع القرن الحادي والعشرين ازداد عدد المكسيكيين في أميركا من 800 الف الى 8 ملايين، بينهم نحو 6 أو 7 ملايين"غير شرعي". وينظر هؤلاء الى فرص العمل وراء الحدود كحق لهم. وأدت المحاولات المتكررة، في التسعينات، لضبط الحدود الى أعمال تسلل خطرة، والى إفراغ مناطق حدودية كثيرة من سكانها. وصار العبور، من دون دليل ثقة، يقرب من المستحيل. ويسمى الدليل"كويوتي"، ومهمته هي، تهريب الاشخاص وتفادي"لا ميغرا". وقد يبلغ ثمن تهريب الشخص الواحد 3 آلاف دولار وهو مبلغ ضخم قياساً على عائلة مكسيكية فقيرة. ولن تهدأ محاولات المكسيكيين عبور الحدود عند المبادرة الاميركية ورئاسة لفينسينيت فوكس السيئة، بعد ست سنوات صعبة، لم تحسن الأمور، لا سيما أن أولويات الادارة الاميركية تغيرت بعد 11 أيلول. وأخطأ فوكس مرات، فهو أساء تقدير وضع العمال المكسيكيين في أميركا حين قال إن معظمهم يمكنهم الحظوة بفرص عمل جيدة في المكسيك. وحين أهان الافارقة الاميركيين، في ايار مايو 2005، بقوله إن المكسيكيين يقبلون بأعمال"لا يقبل بها حتى السود". ولم يرتكب أي مرشح الى رئاسة المكسيك خطأ التقليل من قدر المهاجرين. فطالبوا كلهم بفرص عمل أوسع لهم. وهذا لن يحصل من دون تغيير هيكلي. فهم لم ينسوا أن المهاجرين يرسلون سنوياً الى ذويهم 20 بليون دولار، وهو دخل البلاد الثاني بعد النفط. وفي غضون ذلك، لن تتوقف الهجرة الى الشمال عبر أي منفذ ممكن من"لا فرونتيرا". عن هانك هايفتس،"أوبن ديموكراسي"الالكتروني الاميركية، 11 /4/ 2006