وضع رئيس الحكومة الجزائري الجديد عبدالعزيز بلخادم في سلم أولويات حكومته اجراء تعديل دستوري يتيح للرئيس ان يمدد ولايته لثلاث دورات متتالية بدل اثنتين، وان تكون الولاية سبع سنوات بدل خمس حالياً. كما وضع بين أولوياته إعادة النظر في الرواتب، المطلب الذي ترفعه النقابات. ومهّد بلخادم لتسميته بحملة على اداء الطاقم الحكومي السابق ورئيسه احمد اويحيى. لكن الحكومة الجديدة حافظت على الطاقم نفسه من دون أي تبديل، ما يعني ان الشكوى كانت من رئيس الحكومة الذي ينبغي تغييره. اما الطاقم الحكومي فلن يشهد أي تغيير إلا في حال توسيع الائتلاف الرئاسي ليستوعب القادمين الجدد. بلخادم هو الأمين العام لحزب الاكثرية النيابية جبهة التحرير. وأويحيى هو الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يحوز الكتلة النيابية الثانية. لكن خروج أويحيى من رئاسة الحكومة لم يؤد الى خروج حزبه منها، رغم التنافس بينه وبين رئيس الحكومة الجديد. وهذا يعني ان المسألة تتعدى الخلاف على برنامج حكومي، وإن كان أويحيى لا يحبذ التغيير الدستوري ويدعو الى برنامج اصلاحي اقتصادي يكون رفع الاجور جزءا منه. يذكر ان حزب التجمع هو انشقاق عن جبهة التحرير، عندما بدا ان المؤسسة العسكرية الجزائرية استعادت المبادرة في ظل رئاسة اليمين زروال في منتصف التسعينات، وعندما بدأت جبهة التحرير تدعو الى حوار مع الاسلاميين. وبدا حينذاك، ان جبهة التحرير التي لم تعد آلة الحكم المطلوبة، دعت المؤسسة العسكرية الى شقها لينشأ عنها حزب الاكثرية الجديدة، وهو التجمع الذي اول من تولى قيادته الفعلية الجنرال بتشين القادم من رئاسة الاستخبارات. وعندما وقفت المؤسسة العسكرية وراء ترشيح بوتفليقة الى الرئاسة للمرة الاولى في نيسان ابريل 1999، جاءه الدعم من جبهة التحرير الحزب الذي ينتمي اليه ومن التجمع ايضا. وهذا ما تكرر في انتخابات الولاية الثانية في 2004. لكن في الغضون تمكن بوتفليقة، بفعل ظروف داخلية ودولية، ان يدخل تعديلات على قيادة الجيش، واستعاد لكونه وزير الدفاع زمام المبادرة فيها. وهو استند في ذلك على نتائج استفتاءين مهمين يتعلقان بالعفو عن الاسلاميين المسلحين والمصالحة الوطنية. لكنه عجز عن المس بأجهزة الاستخبارات التي تعتبر وراء حزب التجمع. وبقي هذا الحزب يتمتع بقوة دفع نظراً الى التأييد الذي يلقاه من الأجهزة الأمنية التي، وإن لم تدخل في مواجهة مكشوفة مع الرئيس، ظلت تعمل على إبقائه تحت مظلتها. وهي حاولت ان تزعزع موقعه في الانتخابات السابقة عبر دفع اقرب المقربين اليه والامين العام للجبهة حينذاك علي بن فليس لمنافسته على الرئاسة. وجاءت إعادة انتخابه لتوجه ضربة قوية لهذه المساعي، لكنه لم يتمكن من تجاوزها في الحكومة الأولى للولاية الثانية، فاضطر الى اختيار أويحيى، على حساب جبهة التحرير، رغم ان حزبه لا يحوز الا على الكتلة البرلمانية الثانية. ورد بوتفليقة على هذا التحدي بإبعاد بن فليس عن جبهة التحرير وإيكال قيادتها لبلخادم. ليأخذ الصراع منحاه الواضح. اذ ان الاخير لا يخفي ميوله العروبية والاسلامية، والاستناد الى الارث الايديولوجي لجبهة التحرير، خصوصاً في العلاقة مع فرنسا والفريق الفرنكوفوني في الجزائر، وصولاً الى قيادة حملة تعريب واسعة في البلاد. وذلك في مواجهة أويحيى الميال الى ضباط الاجهزة وما يمثلونه من تيار متشدد ضد الاسلاميين، الى حد الاستئصال، والانفتاح على الغرب خصوصا على فرنسا والتمسك بالفرنكوفونية في التعليم والادارة. وفي هذا المعنى تُفهم الحملة التي شنها بوتفليقة على فرنسا وقانون"تمجيد الاستعمار"، وصولاً الى تأجيل معاهدة الصداقة معها الى أجل غير مسمى. فهو في هذه الحملة كان يؤكد انتصاره على خصومه الداخليين، ويعلن في الوقت نفسه بداية نهاية الازدواجية والثنائية في أعلى هرم السلطة، او على اقل تعديل الانتصار في معركة اساسية. ولا يُفهم التعديل الدستوري الذي يقترحه بلخادم الا لتثبيت هذا الانتصار، عبر إخراج ترشيحات الرئاسة من سطوة الاجهزة. كما لا يُفهم وعد زيادة الأجور إلا دعما ًلمواقع النقابات التي تسيطر عليها جبهة التحرير وجعلها قادرة على ان تكون الماكينة الانتخابية لمرشح الجبهة، في مواجهة أي ماكينة انتخابية اخرى. وتأتي العائدات النفطية الاستثنائية لتوفر لرئيس الحكومة القدرة على الانفاق واكتساب النفوذ.