أهمية بلورة مشروع"الشرق الأوسط الكبير"السياسي والاقتصادي، واستمرار دمج اقتصادات المنطقة العربية والدعوة الى التخصيص وغيرها من المحاور المهمة التي يركز عليها منتدى الاقتصاد العالمي دافوس في شرم الشيخ، الذي انتهى أول من أمس، حاملاً معه تحدياً حقيقياً أمام العالم حول قدرة المنطقة العربية والشرق الأوسطية على تحديد مصيرها بإرادتها من دون الحاجة الى جهود الدول الأخرى. ويأتي هذا المنتدى ضمن سلسلة منتديات تعقد بعده مباشرة، منها منتدى دافوس حول أفريقيا 31 أيار/ مايو ثم منتدى شرق آسيا يومي 15 و16 حزيران يونيو، ومنتدى الصين يومي 10 وپ11 أيلول سبتمبر المقبل، وأخيراً منتدى تركيا يومي 23 وپ24 تشرين الثاني نوفمبر. وبعيداً من مناقشة القضية التي تثار دائماً قبل عقد المنتدى، وهي معارضة بعضهم اقامته بحجة أنه يعمل لمصلحة الشركات الكبرى، فإن المنطق السليم يفرض علينا كعرب عدم الهروب الى أمام، ودفن رؤوسنا في الرمال، بل ينبغي إعداد أجندة عربية موحدة تحدد إمكان الاستفادة منه، بخاصة ان عدد المشاركين فيه وصل الى أكثر من 2250 شخصية عالمية، وهي فرصة لافتة لتسوّق الدول العربية نفسها أمام حشود استثمارات. فلمنتدى دافوس ثقل سياسي واقتصادي معروف منذ بدايات تنظيمه في سبعينات القرن العشرين، بالتالي فإن وضع معايير يمكن من خلالها الاستفادة من مثل هذا المؤتمر، أصبح أمراً لا بديل منه، سواء أمام الشركات المشاركة أو الحكومات التي يقع عليها العبء الأكبر، اذ يوكل اليها تنفيذ توصيات المؤتمر، وتعتبر تلبية رغبات كل الأطراف داخلياً، أهم المتطلبات التي ينبغي أن تبنى عليها آليات الاستفادة من مثل هذا المنتدى الكبير. ان مشاركة الحكومات في مثل هذا المؤتمر تمثل سلاحاً ذا حدين اذ تتيح فرصاً للتكامل بين القطاعين الخاص والعام على رغم انها قد تلغي دور بعض الجهات الصغيرة كمؤسسات المجتمع المدني التي تمثل مشاركتها ثقلاً للمنتدى، بخاصة انها احدى الجهات القادرة على تفعيل توصيات المنتديات العالمية داخلياً وقراراتها. كما أن القطاع الخاص لا بد من أن يركز على تحقيق أعلى الاستفادة من مثل هذا المؤتمر، من خلال وضع آليات للتعاون مع الشركات والجهات الاستثمارية المشاركة من بعض الدول، علماً أن بين أكثر من 2250 شخصية عالمية تحضر المؤتمر، عدد رجال الأعمال قد يتجاوز ألفين. ثمة جانب آخر هو كيف يمكننا كعرب تسويق أنفسنا؟ يتطلب ذلك بداية أن ندخل المنتدى بكتاب موحد وبلغة يفهمها العالم، لا التحدث عن مواضيع مضى عليها الزمن، وينبغي تحديد الفرص الاستثمارية الحقيقية في المنطقة بوضوح، وتقديم مشاريع متكاملة قابلة للحياة والتنفيذ، ذات جدوى عالية، وان تكون ضخمة تربط مصالح العالم بمصالحنا كعرب لنا خصوصيتنا وظروفنا. بالتالي، ينبغي أن يكون المنتدى فرصة لتدفق الاستثمارات الأجنبية الى المنطقة في صورة تخلق مزيداً من فرص العمل، لا أن تدخلها من باب البورصة كما يروّج أو من باب التخصيص فقط. ان نجاح ذلك لن يكون سهلاً من دون معرفة القضايا التي يناقشها المنتدى، بخاصة أداء الشركات الأجنبية للخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وهو ما يعرف بتحرير الخدمات الذي ينظر اليه المنتدى على أنه الوسيلة الأكثر فاعلية لمكافحة البطالة في الدول العربية. ومن الضروري توصل الدول العربية الى صوغ رؤية مشتركة تشمل امكان اتخاذ مزيد من الاجراءات نحو تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول العربية، وبينها وبين بقية دول العالم، بخاصة في قطاعات حيوية كالاتصالات والمصارف والتأمين والمقاولات والاستشارات الهندسية والسياحية والفنادق، الى جانب قطاعي التعليم والصحة. وعلى رغم أن تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول العربية بدأ يتزايد، ما زال حجم التبادل البيني في الخدمات بين الدول العربية والأجنبية محدوداً جداً، لاعتبارات لا معنى لها كالتخوف من سعي هذه الدول الى ادارة الخدمات في مجتمعاتنا خصوصاً تلك التي لها علاقة بالثقافة والتعليم، بدعوى أن ذلك سيجعلها تشيِّع ثقافتها على حساب الثقافة الأصلية، وهذا يعتبر استمراراً لسياسة الهروب الى أمام ولأننا اذا لم نوافق عليه الآن سيفرض نفسه علينا مستقبلاً. وبالتالي لا بد من وجود مؤسسات تدعم الثقافة العربية في مواجهة الثقافة الوافدة. ثمة ضرورة لتأمين مئة مليون فرصة علم بحلول عام 2020، لخفض نسبة البطالة في الشرق الأوسط الى مستويات مقبولة. والأكيد أن طرح تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول كحل لهذه المشكلة، سيكون مخرجاً مهماً للحد من مشكلة البطالة، الأمر الذي ينبغي أن يترافق مع ضرورة تحسين مناخ الأعمال في المنطقة لزيادة نصيبها من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوجيه اقتصاداتها نحو التنمية المستدامة، اضافة الى التركيز على نمو القطاعات غير النفطية. ان طرح قضية البطالة في مؤتمر شرم الشيخ، يعتبر استمراراً للحوار الذي بدأ في دافوس في كانون الثاني يناير 2006 وتزامن مع اصدار مكتب منظمة العمل الدولية تقرير"البطالة في العالم"عشية انطلاق المنتدى. ومشكلة البطالة التي يعاني منها العالم اليوم، تعد من أكبر الأزمات التي تهدد أمنه واستقراره. إذ ينبغي تحقيق التوازن بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية المولدة لفرص العمل، والمشجعة لعملية التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يتطلب من الدول العربية استراتيجية لتطوير العملية التعليمية، بحيث تتمكن من التعامل مع التكنولوجيا التي تستخدمها الشركات الأجنبية، حتى يتسنى لهذه الشركات أن تلعب دوراً في استيعاب القوى العاملة العربية. ان مستقبل الدول العربية مرتبط الى حد بعيد بالإصلاحات الضرورية وخلق شروط أفضل للاستثمار الأجنبي، وترويج التجارة الحرة على قاعدة أن الرفاه الاقتصادي شرط للاستقرار السياسي، وثمة قضايا مركزية علينا نحن العرب أن نحدد خياراتنا ومواقفنا منها، اذ ان العالم بأسره اتخذ مسارات أخرى علينا فهمها وهضمها. فالاصلاح بجوانبه كلها بات حتمياً وتحدياً للشعوب كما للأنظمة، وبقاؤنا في جدل عقيم حول مشاركاتنا في المنتديات الاقليمية والدولية ومدى استفادتنا منها لن يحل مشاكلنا. ان استفادتنا بفعالية كبيرة من هذه المنتديات تكمن في البحث عن موقعنا المفترض فيها وتقديم ما يلفت الاستثمار الأجنبي الى واقعنا، والابتعاد عن مفاهيم لم تسمن ولم تغنِ عن جوع. * أستاذ جامعي.