عشية زيارته الى البيت الأبيض، تعلم ايهود اولمرت درساً في الفرق بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وفي الاختلاف بين ما"نراه من هنا"، من مكتب رئيس الحكومة بالقدس، وبين ما يرى من عاصمة العالم. ففي القدس، قدم اولمرت خطة الانسحاب من معظم اراضي الضفة ويترتب على الانسحاب اخلاء عشرات الآلاف من المستوطنين. ووصف أولمرت خطته بأنها"حبل انقاذ الصهيونية". فهي تكفل المحافظة على غالبية يهودية قوية، وترسم"حدوداً يمكن الدفاع عنها"، تمر بوادي الاردن وتصل الهضاب التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية بسلك متين. والعالم، خارج اسرائيل، لا تقضُّه المحافظة على الغالبية اليهودية، ولا تقلقه تكلفة الانسحاب الباهظة، ولا يبالي بالانشقاق الداخلي المترتب على اخلاء الآلاف من منازلهم. ففي نظر الفلسطينيين والأوروبيين، خطة أولمرت مؤامرة اسرائيلية ترمي الى نهب الأراضي بذرائع أمنية مفتعلة، وكتب زعيم اليسار العالمي الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر، مقالاً نقدياً الاسبوع الماضي، ندد فيه بخطة أولمرت، ووصفها بمحاولة للسيطرة على نصف الضفة الغربية، وترك ثلاثة جيوب ضيقة الى الفلسطينيين. ويرى الرئيس جورج بوش ومعاونوه أن خطة الانكفاء فكرة لم تنضج. ويستخدم أولمرت حكومة"حماس"ذريعة سهلة الى تبرير خطواته الأحادية. ويذهب الى أن رئيس السلطة الفلسطينية،"أبو مازن"، ضعيف ولا حيلة له. وأما الأميركيون فيرونه الحاجز الأخير في وجه الفوضى العميمة التي تتهدد مصر والأردن. وليست نذر الحرب الأهلية بغزة بشير خير. وعليه، ترى واشنطن أن محاولة اسرائيل خلخلة الحال القائمة رهان محفوف بالمجهول. والخلاف على ايران وصنو الخلاف على السلطة الفلسطينية يتوقع الجمهور الاسرائيلي قصفاً يدمر منشآت تخصيب اليورانيوم، ويوقف انتاج الايرانيين المياه الثقيلة، ويزهق تهديد احمدي نجاد اسرائيل بالابادة. وفي اسرائيل نفسها، يبدو التوقع معقولاً ومنطقياً. ولكن اعتبارات الاميركيين وبرامجهم مختلفة. فقد تقودهم الى محاورة احمد نجاد. ولا تثقل الاختلافات هذه على الزيارة والطرفان يرغبان في نجاحها. والبيان المشترك في نهاية الزيارة لن يطمس الفروق. فيسع أولمرت القول ان الدعم الغامض للأفكار الاسرائيلية يعبر عن موافقة الادارة على خطة الانكفاء. ويسع الأميركيين ابراز تعهد رئيس الحكومة فكرة الدولتين، والقول ان الانسحاب من طرف واحد ليس مطروحاً الآن ويتعهد بوش الدفاع عن اسرائيل. ومعنى التعهد التسليم ب"فيتو"اميركي على هجوم اسرائيلي، منفرد، على المنشآت النووية الايرانية. فيشرح أولمرت أن هذا أوضح التزام أميركي الدفاع عن اسرائيل. والحق أن أولمرت، حين استوعب جدول الاعمال الأميركي، سارع الى الاعلان عن حزمة نوايا حسنة من شأنها ارضاء الادارة. فمنذ هذا اللقاء الاعلامي بين تسيبي ليفني و"ابو مازن"و"سلة الدواء"الى مستشفيات غزة، وثمنها من اموال الضرائب الفلسطينية واستئناف اللجنة الوزارية المكلفة معالجة المواقع الاستيطانية عملها، وانشاء هيئة لمحاربة الاتجار بالنساء. وفي مناسبة الزيارة، أجرى"المشروع الاسرائيلي"استطلاعاً بين النخب في الولاياتالمتحدة، فأظهر تأييداً قوياً لإسرائيل، وعداء للفلسطينيين واستعداداً لدعم خطة الانكفاء. وأما أولمرت، فبدا، في الاستطلاع، شخصية مجهولة، نسبياً، ولا يثير المشاعر لا سلباً ولا ايجاباً. وعلى رغم ذلك، يصعب على اولمرت التخفف من قلقه ازاء المسؤولية الملقاة على عاتقه. فانتقاده، الاسبوع الماضي، خطة الانفصال عن غزة، وهي، في رأيه فجرت أزمة داخلية كبيرة لقاء خطوة صغيرة. فهو كان يفضل لو تولى شارون المهمة في الضفة محله، وترك له اسرائيل في حدود جديدة. ولكن هذا لم يحدث. وعلى أولمرت الوفاء الشجاع والثابت بتعهداته. عن ألوف بن ، "هآرتس" الإسرائيلية 22/5/2006