برز فجأة موضوع إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست سنة 1964 بهدف تحرير الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 لأن الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكونا بعد محتلين. واللافت للانتباه ان من يتحمسون اليوم لاحياء دور المنظمة هم الذين عمدوا إلى تهميشها بعد توقيع اتفاقات أوسلو التي انتجت سلطة فلسطينية تحت الاحتلال، وكان مطلوبا ان تحل هذه السلطة مكان المنظمة التي جرى التخلي عن مثياقها الوطني، الذي يدعو إلى المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين، ويتمسك بحق الشعب الفلسطيني على كامل ارضه التاريخية، ويرفض الإقرار بشرعية إسرائيل. والسبب في التخلي عن هذه الأهداف انه بعد اتفاقات اوسلو لم يعد دور منظمة التحرير مطلوباً لأسباب عدة: 1- إنه جرى التخلي عن أرض فلسطينالمحتلة عام 1948 وهذا يستدعي التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي فاذا كانت هناك عودة للاجئين فيجب أن تكون إلى الدولة الفلسطينية التي ستقام في الضفة والقطاع. 2- بعد ان جرى التخلي عن دور المنظمة استبدلت بسلطة فلسطينية باتت هي وسيلة التفاوض مع إسرائيل من اجل تحقيق حلم الدولة. 3- كان مطلب الأميركيين والأوروبيين ومعهم الإسرائيليون الغاء دور منظمة التحرير. ورفضت قيادة المنظمة كل الدعوات التي وجهتها الفصائل الفلسطينية المختلفة من اجل احياء دور المنظمة وإعادة تنظيمها على اسس ديموقراطية ووطنية بحيث تضم جميع القوى الممثلة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. لكن مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، نتيجة فشل اتفاق اوسلو، وبروز قوى فلسطينية من خارج المنظمة، مثل"حماس"و"الجهاد الإسلامي"، لم يعد بالامكان اختصار التمثيل الفلسطيني بالسلطة الفلسطينية او بالقيادة المسيطرة على المنظمة، لانها لا تضم جميع المكونات السياسية للشعب الفلسطيني. واصبحت هناك فجوة في التمثيل، عندما لم تعد السلطة الفلسطينية قادرة على فرض سلطتها على الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة ظهور قوى جديدة على أرض الواقع أدت إلى ازدواجية في السلطة بين قوى المقاومة وقوى السلطة. وهذه الازدواجية جعلت قيادة السلطة الفلسطينية غير قادرة على تلبية الشروط الأميركية والإسرائيلية التي تطالبها بوقف المقاومة كشرط لاستئناف المفاوضات حول خارطة الطريق. وللخروج من المأزق الذي وجدت السلطة الفلسطينية نفسها فيه قبلت الحوار مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة من اجل إعادة ترتيب ما اصطلح على تسميته بالبيت الفلسطيني. ومن ضمن ما اتفق عليه إعادة بناء منظمة التحرير على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الفلسطيني الجديد على أن يكون نصف اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني من الداخل ونصفه الآخر من الخارج، فيكون الاعضاء المنتخبون في الضفة وغزة حصة الداخل، ويجري اختيار الباقين من الشتات الفلسطيني ويعاد على هذا الاساس تشكيل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. غير أنه لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق ولم تتم دعوة اللجنة التي اتفق على تشكيلها من الأمناء العامين للفصائل، الى الاجتماع. اما اليوم وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وما أدت إليه من فوز كاسح لحركة"حماس"فقد أسرعت قيادة"فتح"التي خسرت في الانتخابات إلى الدعوة الى احياء دور المنظمة للتعويض عن خسارتها وفقدانها موقع القيادة في الحكومة والمجلس التشريعي. وبرز ذلك من خلال دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة كي تناقش برنامج حكومة اسماعيل هنية وهو ما اعتبرته"حماس"مخالفا للقوانين التي تنص على ان المجلس التشريعي هو صاحب الحق في البت بذلك باعتباره المجلس المنتخب. وكان اللافت ان الهيئة التنفيذية للمنظمة اعلنت رفضها برنامج الحكومة وطالبت بتعديله بحيث يتضمن الموافقة على أن منظمة التحرير هي المرجعية للمفاوضات والاعتراف ببرنامج المنظمة وباعلان الاستقلال الفلسطيني . لكن حركة"حماس"رفضت هذه القرارات انطلاقا من الاعتبارات التالية: 1- انها تكشف عن محاولة انقلابية للانقضاض على نتائج الانتخابات والقبول بالبرنامج السياسي للمنظمة. 2- تكشف عن سعي القيادة الحالية لمنظمة التحرير إلى المضي في سيطرتها على المنظمة وفرض هيمنتها على القرار الفلسطيني. 3- تعتبر"حماس"ان الانتخابات منحتها الشرعية التمثيلية على الأقل في الضفة والقطاع، وكونها غير ممثلة في منظمة التحرير يجعل المنظمة بوضعها الحالي تفتقر الى الشرعية الفلسطينية. ويطرح هذ الوضع اشكالية على الصعيد الفلسطيني لا بد من المسارعة إلى حلها وقد يتمثل الحل السليم الذي يخدم القضية الفلسطينية في الآتي: 1 التسليم بنتائج الانتخابات التشريعية في الضفة والقطاع لان عدم التسليم بذلك يشكل محاولة للانقلاب على العملية الديموقراطية. 2 العمل على عقد مؤتمر وطني فلسطيني يضم كل القوى الفلسطينية في الداخل والخارج للبحث في إعادة تفعيل دور منظمة التحرير. وهذا يستلزم الاتفاق على آلية التمثيل في المنظمة ومشاركة كل التيارات والقوى مهما كان حجم ومستوى تمثيلها في الشارع الفلسطيني. أما بالنسبة الى البرنامج السياسي فيجب ان يحتوي على عنصرين اساسين: المحافظة على الحقوق الفلسطينية وعدم التفريط بها وهذا يستدعي استعادة المنظمة للثوابت الوطنية. والاتفاق على البرنامج المرحلي الذي لا يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية. ولا شك أن ما ينطبق على البرنامج يسري ايضا على الأدوات، فالتجربة اثبتت ان المقاومة المسلحة هي الأسلوب الأجدى لدى الشعوب في مواجهة الاحتلال، وهذه المقاومة يجب ان تكون هي الخيار الاستراتيجي. ان ما حصل منذ اتفاقات اوسلو وحتى اليوم دليل على عقم الرهان على التفاوض كسبيل وحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، فيما المقاومة المسلحة مع اندلاع الانتفاضة الثانية أدت إلى تحقيق أول انتصار فلسطيني تمثل بإجبار الاحتلال على الانكفاء عن قطاع غزة دون قيد أوشرط، ودفعه اليوم إلى الحديث عن انسحابات من جانب واحد من الضفة. لقد صوت الشعب الفلسطيني في الانتخابات الاخيرة لصالح خيار المقاومة المسلحة، ولذلك فان على قيادة منظمة التحرير الحالية الاعتراف بفشل برنامج التسوية وهذا ما يشكل اساس الصراع الدائر داخل حركة فتح منذ فترة. * كاتب فلسطيني