أضفى اللقاء الذي عقده رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس في مدينة سوتشي على البحر الأسود، أجواء إيجابية على اليوم الأول من محادثاته التي بدأها في موسكو مع كبار المسؤولين الروس وعلى رأسهم نائب وزير الخارجية الكسندر سلطانوف ومدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية سرغي فرشينين ومسؤول لبنان وسورية فيها بوريس بولوتون. واستمر اللقاء أكثر من ساعتين ونصف الساعة وتخلله غداء عمل في حضور نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، النائب باسم السبع، والنائب السابق الدكتور غطاس خوري. وجرى خلال اللقاء تبادل الآراء في التطورات الجارية في المنطقة من لبنان الى إيران مروراً بالعراق والأراضي العربية المحتلة. وكان لافتاً، بحسب ما قالته مصادر الوفد اللبناني لپ"الحياة"، ان محادثات بوتين - الحريري الإيجابية انعكست على اللقاء، الذي سجل"تبدلاً ملحوظاً في الموقف الروسي من لبنان وتحديداً كتلة تيار المستقبل، بخلاف الأجواء التي سادت الزيارة التي قام بها قبل شهرين وفد نيابي يمثل تيار المستقبل برئاسة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري الى موسكو". وقال عضو في الوفد اللبناني لپ"الحياة":"نلمس الآن تبدلاً جذرياً في الموقف الروسي من الوضع في لبنان، باتجاه الدعوة الى اقامة علاقات ديبلوماسية وتبادل السفراء بين لبنان وسورية وترسيم الحدود المشتركة للبلدين". وعلى رغم ان محادثات الحريري في موسكو تزامنت مع وجود وزيرة المغتربين في سورية بثينة شعبان في العاصمة الروسية واجتماعها أول من أمس بسلطانوف، فإن المسؤولين الروس بدأوا يتفهمون المنطق اللبناني من وجهة النظر التي طرحها الحريري، مؤكدين حرصهم الشديد على جلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومشددين على ان لا تنازل عن ذلك وأن نتائج التحقيق يجب ألا تخضع الى أي مساومة وأن مرتكب الجريمة سينال عقابه مهماً يكن وأينما كان. ولفت مصدر رفيع في الوفد اللبناني الى أن موسكو كانت وما زالت ضد تسييس التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، لكنها في المقابل ضد المساومة على نتائجه التي ستترك للمحكمة الدولية التي يجرى التحضير لتشكيلها بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على إنشائها. إلا ان المفهوم الروسي المعارض في المبدأ لتسييس التحقيق يكمن في اعتراض موسكو على قلب النظام في سورية، وهذا ما أكده الحريري برفضه التدخل في الشؤون الداخلية السورية وهو يتفق مع وجهة النظر الروسية في هذا الخصوص، لكن ذلك لا يخفف من التشدد الروسي لمعرفة مرتكب الجريمة ومحاكمته. ونقل المصدر اللبناني عن مسؤول روسي كبير تأكيده أن لدى موسكو رغبة قاطعة في معرفة الحقيقة وجلائها ومحاكمة أي متورط في الجريمة. وبالنسبة الى الموقف الروسي من القرار الدولي 1680، كرر كبار المسؤولين الروس الموقف الذي كان سمعه الحريري من بوتين أن من غير الجائز التعامل مع امتناع موسكو عن التصويت عليه من زاوية تقويم الموقف الروسي لملف العلاقات اللبنانية - السورية وبتصويره على غير حقيقته وكأنه انحياز للموقف السوري ضد الموقف اللبناني بمقدار ما انه يعكس الطريقة التي تتعاطى فيها القيادة الروسية مع القرارات الدولية، إذ ان تصويت موسكو عليها يخضع لاعتبارات خاصة ولحسابات تتجاوز الملف اللبناني - السوري الى المنطقة ككل. وأكد سلطانوف أن من ينظر الى الموقف الروسي من القرار 1680 على انه انحياز الى جانب سورية فهو خاطئ، مشيراً الى ان بلاده ليست ضد القرار وتنصح بالتعاون لتطبيقه وبعدم الخروج عن إرادة المجتمع الدولي. وإذ قارن سلطانوف بين موقف بلاده من القرار 1680 والقرار الآخر 1559، أكد ان الموقف الروسي لم يتبدل سواء لجهة الامتناع عن التصويت على القرارين أو لجهة حض القيادة السورية على التعاون معهما، مشيراً الى ان بوتين كان استقبل الرئيس السوري بشار الأسد بعد أيام على صدور القرار 1559 ونصحه بضرورة الاستجابة لرغبة الشرعية الدولية والتعاون معها الى أقصى الحدود. وتطرق سلطانوف الى علاقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بروسيا وقال انه كان صديقاً شخصياً للرئيس بوتين ولعب دوراً في تعزيز وتطوير علاقة موسكو بعدد من دول المنطقة، مؤكداً ان بلاده تحترم الرئيس الحريري أشد الاحترام وهذا ما يفسر حرصها الشديد على جلاء الحقيقة في جريمة اغتياله. وأوضح سلطانوف بحسب مصدر في الوفد اللبناني، أن موسكو تعتبر ان كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري شيء وتسييس التحقيق شيء آخر. ولفت أيضاً الى تأييد بلاده قرارات الإجماع التي توصل اليها مؤتمر الحوار الوطني في بيروت، مشدداً على أهمية التواصل بين اللبنانيين كأساس للتوصل الى توافق حول قضاياهم الداخلية، ومشيراً الى انهم ينصحون القيادة السورية بالتعاون مع هذه القرارات بما فيها تلك المتعلقة بإقامة العلاقات الديبلوماسية وتحديد أو ترسيم الحدود بين البلدين، إضافة الى انهم كانوا نصحوا بضرورة التوصل الى تسوية لبنانية - سورية تخفض التوتر بين البلدين لمصلحة تدعيم الاستقرار في لبنان لأن تهديده سلبي على المنطقة ككل. يذكر ان الحريري كان سأل في مقابلة أجراها معه التلفزيون الروسي يبثها غداً الاثنين، عن موقف روسيا عندما تفكك الاتحاد السوفياتي وقال:"هل عارضت موسكو إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدان التي كانت تنتمي الى الاتحاد السوفياتي سابقاً؟". وأضاف رداً على سؤال أن هناك من يقول، ان لبنان وسورية بلدان لكنهما أمة واحدة:"هل هناك علاقات أرقى تقدماً من العلاقات القائمة بين دول المجموعة الأوروبية التي تتداول العملة نفسها وتضمن حرية العمل والإقامة للأوروبيين في أي بلد لكنهم لم يتوصلوا الى هذه الدرجة من التعاون إلا في ترسيم الحدود وتحقيق المساواة والتوازن في العلاقة، فهل كثير على لبنان أن يطمح الى إقامة علاقة بسورية شبيهة بما هو قائم بين البلدان الأوروبية؟".