يتوجه ايهود اولمرت إلى واشنطن الأسبوع المقبل ليقوم بالزيارة التقليدية لكل رئيس حكومة جديد فيقابل معلمه رئيس الدولة العظمى. وينتظر أن تتم مقابلته مع الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض في 23 من الشهر الجاري. ويكتسب هذا اللقاء أهمية قصوى لأن الهدف الرئيسي لأولمرت هو الحصول على تأييد أميركا لخطته الأحادية الرامية إلى فرض حدود إسرائيل النهائية على الفلسطينيين. وتقضي هذه الخطة بتوسيع المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية وعزل القدسالشرقية عن الضفة عن طريق ضم أراض تقع ضمن ما يسمى بالجدار الأمني وسد طريق وادي الأردن أمام الفلسطينيين. وبذلك تحشر هؤلاء في ثلاثة أو أربعة كانتونات منعزلة تماماً وتحت رحمة إسرائيل. ويحرص أولمرت على تجنب أي مفاوضات مهما كان الثمن لأنه يعرف بأنه لا يمكن لأي زعيم فلسطيني، حتى بين أكثر المعتدلين، أن يقبل بنهب الأراضي على هذا النحو. حتى الأوروبيين الجبناء لا يمكن أن يوافقوا على تحكم إسرائيل بهذا الشكل ويصرون على أن يكون كل تغيير لحدود عام 1967 بواسطة التفاوض. ومن هنا فإن الدعم الأميركي أمر جوهري جداً بالنسبة الى أولمرت إذا ما أراد أن يفرض خطته لا على الفلسطينيين فحسب بل على المجتمع الدولي. ولقد حاول أن يغطي بشاعة أفكاره باستخدام تعبير بريء هو"التقارب"والذي يعني به تجميع المستوطنات الصغيرة المتناثرة وضمها إلى المستوطنات الكبرى بما في ذلك مستوطنة أرييل التي تقع في عمق الأراضي الفلسطينية وتبعد نحو 26 كيلومتراً عن الخط الأخضر. حقيقة الأمر إذن أنه إذا طُبّقت خطة أولمرت فسوف يستبعد أي احتمال لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وكما قال محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية هذا الأسبوع أمام البرلمان الأوروبي فإن برنامج أولمرت"سيقضي على كل أمل بإمكان إحياء مسيرة السلام". تلك إذاً هي لحظة الحقيقة بالنسبة الى الرئيس بوش. اذ سبق له أن صرح بأنه يؤيد إنشاء دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وقد حان الوقت الآن، ربما للمرة الأخيرة، كي يظل هذا الحل المنشود قابلاً للتحقيق. فهل يملك بوش الإرادة والرؤية كي يقول لا لأولمرت ويتحدى بذلك القوى التي يمكن لإسرائيل أن تعبئها في أميركا بالذات؟ إن رئيساً غارقاً في المستنقع العراقي - وفي وقت تشير استطلاعات الرأي إلى أن 69 في المئة من الشعب الأميركي يعتقدون بأن بلادهم تسير على الخط الخاطئ - يصعب أن يستجمع الشجاعة السياسية اللازمة لمواجهة مثل هذه الضغوط. غير أن بوش لا بد أن يعلم تماماً بأنه إذا أيد خطة أولمرت فسيحكم على المنطقة بمواجهة مزيد من العنف يؤدي إلى مزيد من الغضب من أميركا الذي يكاد يبلغ الذروة. ذلك هو الخيار أمام الرئيس الأميركي. وعلى رغم كل إشارات الخطر فإن الظرف الراهن يوحي بأن بوش سينهار، وبأن أولمرت سيحقق غايته. ولن تكون هذه المرة الأولى من نوعها التي يعض الذنب الإسرائيلي فيها الكلب الأميركي. أوضحت أميركا حقيقة عواطفها في هذا الظرف. فمنذ نجاح حماس في الانتخابات في كانون الثاني يناير الماضي، يشهد العالم فضيحة الحصار الاقتصادي على شعب بأثره من جانب أميركا وإسرائيل. نعم، هناك عقوبة جماعية مخالفة للقانون الدولي فرضت على الفلسطينيين. وكما قالت صحيفة"فاينانشال تايمز"اللندنية ف"إنه سلاح لا أخلاقي يستخدم ضد شعب محتل ومنهك". ولعل ما يثير الدهشة أن صوتاً واحداً في الغرب لم يرتفع للدفاع عن الفلسطينيين اللهم باستثناء الرئيس السابق جيمي كارتر الذي يعتبر بحق ضمير أميركا التي ضلت طريقها فنشر في صحيفة"انترناشونال هيرالد تريبون"مقالاً جاء فيه"إن الفلسطينيين الأبرياء يعاملون كالحيوانات بقرينة ارتكابهم جريمة من الجرائم حين انتخبوا حماس". أما الاتحاد الأوروبي الذي انضم في البدء إلى أميركا وإسرائيل في حملة تجويع حماس بغية إخضاعها أو طردها من السلطة فقد وجد يوم الاثنين الماضي الشجاعة ليعيد النظر في موقفه، اذ اتفق وزراء الخارجية، تجاه الكارثة الإنسانية التي تهدد الأراضي المحتلة، على مطالبة اللجنة الأوروبية بإيجاد آلية دولية موقتة لإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين عن طريق البنك الدولي متجاوزين بذلك حكومة حماس. على أن هذه المساعدة قد تؤجل لأن رئيس البنك الدولي ليس سوى بول ولفوفيتز، إياه، المعروف بأنه أشد المحافظين الجدد تأييداً لإسرائيل والذي كان المهندس الرئيسي لحرب العراق حين كان نائباً لوزير الدفاع. ويقال الآن في واشنطن أن الرجل"متردد"بالنسبة الى المشروع الأوروبي. وتتابع أميركا في هذه الأثناء حصارها المصرفي البشع على الفلسطينيين لتحول دون وصول المساعدات السعودية والقطرية إلى الأراضي المحتلة. وحول هذا يقول الرئيس السابق كارتر:"إن الحكومة الأميركية تهدد الوجود المالي لأي مصرف أردني أو غيره يتجرأ على تحويل هذه المساعدة العربية لفلسطين". ترى كيف لنا أن نفسر أسباب هذه الروح الانتقامية وأسباب مقاطعة حماس؟ إنهم يعزلونها ويصفونها بالشيطانية باعتبارها منظمة إرهابية أرسلت في الماضي الانتحاريين لقتل المدنيين الإسرائيليين. وهم يتناسون بأنهم مارسوا سياسة إرهاب الدولة على نطاق أوسع بكثير وقتلوا خمسة أضعاف ما قتلته حماس من المدنيين، كما أنهم يتجاهلون أن الاحتلال الإسرائيلي اللاشرعي للأراضي الفلسطينية هو أصل المشكلة. ويبدو أن العالم ربما تعود على سياسة إسرائيل الوحشية في الاحتلال وإقامة المستوطنات وفرض حظر التجول وإنشاء الحواجز وإغلاق الحدود وإقصاء المزارعين عن أراضيهم وتدمير المنازل والاغتيالات المستهدفة وجدار الفصل المقيت. احترمت حماس هدنة طوال 18 شهراً وعرضت تمديدها إلى الأبد إذا قابلتها إسرائيل بالمثل. ومن جهته أعرب إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية عن موافقته على إجراء مفاوضات بين محمود عباس وايهود أولمرت غير أن هذا الأخير رفض مبدأ التفاوض متذرعاً بعدم وجود شريك فلسطيني يتفاوض معه. وسواء في ما يخص العراق أو الأراضي الفلسطينية فإن الذنب في خلق هذه الفوضى الدولية هو بدون شك ذنب أميركا وإسرائيل. اذ قامت إسرائيل رداً على بعض الصواريخ المحلية الصنع التي سقطت في النقب ولم تقتل أحداً، بإطلاق خمسة آلاف قذيفة خلال الأسابيع الماضية على شمال قطاع غزة فروّعت السكان وقتلت العديد من المدنيين بينهم طفلة صغيرة وفتى مراهق. إنه لسلوك إجرامي يتمثل بحملات إسرائيلية عقابية تكاد تكون يومية ضد المدنيين واعتقالات على نطاق واسع وقتل الأبرياء. مضى نحو شهرين من دون أن يحصل أي من ال150 ألف موظف التابعين للسلطة الفلسطينية على راتبه وذلك منذ أوقفت إسرائيل دفع العائدات الجمركية المستحقة للفلسطينيين والبالغة 55 مليون دولار شهرياً والتي تغطي نحو 90 في المئة من معاشات القطاع العام. ومنذ مطلع هذا العام أغلقت إسرائيل معبر كارني بين غزة وإسرائيل قرابة نصف الوقت ملحقة بذلك أضراراً بالغة بالصادرات الفلسطينية التي تتعفن عند المعبر شأنها شأن المستوردات التي تحتجز أيضاً هناك. ولقد أدى نقص الأدوية الضرورية بمنظمة الصحة العالمية إلى أن تتنبأ ب"انخفاض سريع لمستوى نظام الصحة العامة في غزة وإمكان إنهياره كلياً". يضاف إلى ذلك كله أن جيمس ولفونسون الرئيس السابق للبنك الدولي الذي لا يشارك ولفوفيتز آراءه المتطرفة، استقال من منصبه كمبعوث خاص للجنة الرباعية لأنه لا يوافق على محاولة خنق حماس مالياً. ترى هل يدرك بوش وأولمرت إزاء هذه الآلام الفلسطينية مدى الكراهية التي تتراكم ضد دولتيهما؟ ليس لهما أن يفاجآ إذا ما قامت الضحايا برد الضربات. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.