في 20 نيسان ابريل 1986 وفي حضور الرئيس حسني مبارك وبتنظيم وإشراف من نادي القضاة المصري عقد"المؤتمر الأول للعدالة في مصر"ولم يتكرر عقد المؤتمر الذي كان من المفترض ان يكون بداية لسلسلة مؤتمرات سنوية، فثبت أنه لم يكن سوى"شهر عسل قصير"بين القضاة والنظام. استمر المؤتمر خمسة أيام وبدأه المستشار يحيى الرفاعي شيخ القضاة ورئيس نادي القضاة آنذاك بكلمة تميزت بصراحة صادمة لما حوته من مطالب محددة ربما لم يكن النظام على استعداد حتى لسماعها. اللقاء الصادم كان آخر لقاء للرئيس مبارك مع اعضاء نادي القضاة وهو لم يتكرر حتى الآن على رغم مرور 20 عاماً وتأكد القضاة بعد هذا اللقاء، كما أشار المستشار يحيى الرفاعي، أن حلم تحقيق مطالب القضاة لن يكون على يد السلطة، على رغم ما أبداه الرئيس مبارك بعد تسلمه السلطة عام 1981 من تجاوب تجاه مطلب كان شديد الإلحاح لدى جموع القضاة وهو إنشاء المجلس الأعلى للقضاء. وقتها استبشر القضاة خيراً بالموافقة - الرئاسية - على تشكيل المجلس، وكانت الخطوة تعني بالنسبة اليهم أن تنقل سلطات الوزير الى مجلس مستقل يأتي اعضاؤه بالانتخاب المباشر من القضاة. لكن سرعان ما تبدد الحلم عندما فوجئ القضاة بمجلس يعين كل اعضائه بقرار من رئيس الجمهورية ويكتفي المعينون بدور المستشارين لوزير العدل!! إحباط القضاة وصدمة النظام في مطالب قضاة مؤتمر العدالة كانا سببين منطقيين جداً للوصول بالفريقين الى نقطة البداية في صراع تكرر بين النظام وبين القضاة. فريق يرفع شعار الاستقلال وفريق يرفع شعار السيادة. يرى مدير المركز العربي لاستقلال القضاة ناصر أمين ان العلاقة بين القضاء والسلطة في الانظمة غير الليبرالية لا بد من أن تكون دائماً علاقة صدام. ويقول:"في ثلاثينات القرن الفائت حدث أن أصدر رئيس محكمة جنايات اسيوط حكماً قضائياً في دعوى جنائية ذات طابع سياسي وكان الحكم عادلاً وحيثياته نموذجاً يحتذى به فأرسل وزير العدل خطاباً الى رئيس المحكمة يشيد بحكمه فما كان من رئيس المحكمة سوى الرد عليه بخطاب انتقد فيه الوزير معلناً رفضه لخطاب الاشادة المرسل له باعتباره - أي الوزير - لا يملك حق المدح أو الذم في حكم يصدره قاضٍ. بمجرد الحديث عن القضاة وتقفز حادثة أطلق عليها الكثيرون تسمية"مذبحة القضاة"بينما اعتبرها أصحاب الفكر الناصري خلافاً بين الثورة والقضاة. المذبحة التي تبدو علامة بارزة في تاريخ القضاء المصري ربما لضخامة عدد ضحاياها 133 قاضياً عزلوا من سلك القضاء، أما السبب فهزيمة حزيران يونيو كما يقول ناصر أمين، التي خلفت نظاماً سياسياً منكسراً يبحث عن دعم سياسي وأفكار أخرى تحوي كل فئات المجتمع، وبدأت المحاولات الجادة لاحتواء القضاة في التنظيم السياسي وهو ما لاقى معارضة عنيفة من الغالبية وقتها فتوترت العلاقة بين الدولة والقضاة ووصلت الى ذروتها ببيان النادي الشهير الذي ندد فيه القضاة بالديكتاتورية وطالبوا النظام بكف يده عن القضاء معلنين استقلالهم التام. المستشار يحيى الرفاعي نفسه اضطر في حينها باعتباره ضمن فريق من تم عزلهم مع المستشار محمد عصفور والمستشار محمود مكي - المحال الى المحاكمة الآن ? الى العمل في المحاماة حتى نهاية عام 1972 عندما أعاد الرئيس انور السادات القضاة المعزولين الى اعمالهم مع بداية توليه الحكم ومحاولة تصحيح الأوضاع. واقعة أخرى شهدها عام 1954 وبالتحديد في 29 آذار مارس وهي واقعة الاعتداء على الدكتور عبد الرازق السنهوي العلامة القانوني الشهير الذي كان وقتها رئيساً لمجلس الدولة وقيل إن الواقعة حصلت بإيعاز من الضباط الأحرار وقتها!! وهو ما اعتبره بعضهم بداية غير مبشرة لنظام سياسي لديه أولويات مختلفة ولا يحترم القضاء ورموزه على اعتبار أن أولوياته تتلخص في الثورة وبناء الدولة والتحرير. من يؤمن بالديموقراطية وعلق الكاتب السياسي فهمي هويدي على القضية باعتبارها قضية ديموقراطية، بقوله:"القضية لها علاقة وثيقة بمدى إيمان الدولة - كما يحلو لهم ان يسموها - بالديموقراطية كنظام أساسي للحكم والذي يعني الاستقلال التام للسلطات ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا، أو شؤون العدالة، ولكن وكعادة الدول التي ترفع شعار الديموقراطية وتعمل بعكسها. تأتي الدساتير بكل ما يعلي قيم الديموقراطية، بينما يتم وضع قوانين تفسد تلك الدساتير وتضمن حماية النظام من الدستور ومبادئه". واقعة مؤتمر العدالة الأول عام 1986 كانت حدثت من قبل في اجتماع استضاف فيه نادي القضاة الرئيس الراحل انور السادات وحدد حينها رئيس نادي القضاة المستشار احمد جنينة مطالب القضاة. وكانت صدمة القضاة ورئيسهم في رد السادات على مطالبهم بالاستقلال خصوصاً مع عنف، اذ قال إنه يتخيل نفسه مستمعاً لاذاعة من إذاعات دول الرفض،"وهو ما حمل رسالة ضمنية لجموع الحاضرين في الجلسة أن موعد التغيير ليس قريباً!!".