لا تزال موسيقى بوب مارلي تواصل الانتشار عالمياً بعد مرور ربع قرن على رحيله في 11 أيار مايو 1981. بل إن موسيقاه التي تسمى الريغي تزداد شعبية يوماً بعد يوم. فقد بِيع من ألبوم"أسطورة"وحده أكثر من 12 مليون نسخة، أي ما يعادل 180 مليون دولار في الولاياتالمتحدة فقط. ويقول منتج أعماله كريس بلاكويل إن مبيعات تسجيلات بوب بلغت 300 مليون نسخة أسطوانة، شريط، سي دي تقريباً حتى عام 2000، وهو رقم هائل لمغنٍّ من العالم الثالث توفي قبل ربع قرن. الكثير من النقاد لم يدركوا قوة بوب مارلي وتأثيره إلا بعد موته. فعند حلول الألفية الثالثة، وصفته جريدة"نيويورك تايمز"بأنه"أكثر فنان تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين"، واختارت الBBC أغنيته الشهيرة"الحب للجميع"نشيداً للمناسبة، ووصفت"تايم"ألبومه الشهير"خروج"ب"ألبوم القرن". كما مُنح في عام 2001 جائزة غرامي الموسيقية الرفيعة عن نتاجه الإبداعي مدى الحياة. ونُقش اسمه في جادَة مشاهير هوليوود في مدينة لوس أنجليس مع نجوم هوليوود. وعلى رغم الاختلاف الكبير بين موسيقى الريغي الهادئة نوعاً ما، وموسيقى الروك آند رول الصاخبة وذات الشعبية الساحقة في الولاياتالمتحدة، فقد ضم بوب مارلي إلى متحف مشاهير الروك أند رول في الولاياتالمتحدة عام 1994. لم يكن لموسيقى الريغي التي نشأت في جامايكا في ستينات القرن العشرين، أن تنتشر وتكتسب أهمية عالميّة لولا حضور مارلي الذي لن يتكرر. ويكمن سر نجاح بوب مارلي الساحق في بساطة كلماته وأهمية الرسالة التي تنشرها: التمرد على الظلم، العدالة، الحريّة، السلام، محاربة الفقر، والحب بكل أنواعه. ولد روبرت بوب نيستا مارلي في 6 شباط فبراير عام 1945 في قرية سانت آن شمال جامايكا. كان والده ضابطاً بحرياً بريطانياً أبيض، في الخمسين من العمر عندما تزوج والدته الجامايكية السوداء الجميلة سيديلا بوكر ذات الثمانية عشر ربيعاً. وقبل أن يتم بوب عامه الأول، اضطر الكابتن إلى هجر زوجته الصغيرة وابنه نظراً الى استمرار معارضة عائلته لهذا الزواج. وفي 1957 انتقلت سيديلا وابنها بوب إلى العاصمة كينغستون، وسكنا في ضاحيتها الفقيرة ترينش تاون. هنا تعرف بوب إلى بعض الصبية الذين شاركوه عشق الموسيقى. لم يكن بوب يملك مالاً لشراء الأسطوانات، فكان يستمع طوال الوقت إلى الموسيقى التي تبثها الإذاعات الأميركية، بخاصة أغاني راي تشارلز. ترك بوب المدرسة مبكراً وعمل في ورشة لِحام. وفي عام 1962، تقدم إلى اختبار استماع مع المنتج ليزلي كونغ الذي أُعجب بقدراته وأنتج له أول أغنية"لا تَحكم"التي لاقت نجاحاً متوسطاً. وفي عام 1963، وافق المنتج كلمنت دود، بعد تجربة استماع، على إنتاج تسجيلات فرقة"البَكَّاؤون"التي أسسها بوب مع خمسة من أصدقائه. . وهكذا خرجت أغنية"اهدأ"التي تصدرت المبيعات في جامايكا فور صدورها. وفي السنوات القليلة التالية، أصدرت الويلرز أكثر من ثلاثين أغنية. كان بوب يكتب الكلمات ويلحنها ثم يغنيها. على رغم النجاح المحلي الذي حققته الويلرز، إلا أنها لم تستطع الاستمرار! واضطر ثلاثة من أعضائها إلى الهجرة إلى أميركا... وسافر بوب بدوره إلى أميركا، حيث اشتغل عامل نظافة، ثم عمل في مصنع سيارات. وتعرف الى حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولاياتالمتحدة، كما شاهد بعينيه المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها السود هناك، ما ترك أثراً عميقاً في نفسه انعكس في أغانيه لاحقاً مثل أغنية"جندي بافالو"الشهيرة. ولمح المنتج لي بيري النزعة التمردية في أغاني الويلرز، فأنتج أغان أسطورية مثل:"روح ثائرة"، وپ"فأس صغيرة"... وفي صيف 1971، دعا المغني الأميركي جوني ناش صديقه بوب مارلي ليرافقه في جولة في السويد. كان بوب يكتب كلمات أغان لجوني لاقت نجاحاً جيداً. وفي السويد استطاع أن يوقع عقداً لإحياء حفلة في لندن. وعندما ذهب إلى لندن كان يخطو خطوة أولى نحو العالميّة، إذ دخل مكتب شركة"تسجيلات الجزيرة" العريقة في لندن، وكانت ولادة ألبوم"أَمْسِك النار" وفي 1973، زارت الويلرز بريطانيا، وقدمت 31 حفلة... وكان الإقبال عليها كبيراً. ثم زارت الفرقة أميركا في أكتوبر 1973، وأصدرت ألبوم"احتراق" الذي ضم الأغنية الشهيرة"أنا قتلت الشَّريف". وواصل بوب العمل بقوة فأصدر ألبوم"رعب أنيق"الذي ضم أغنيته الرومانسية الراقية الشهيرة"لا تبك يا سيدتي". وفي 1975، واصلت الويلرز الحفلات العالميّة بخاصة في بريطانيا وأصبح أعضاؤها نجوماً عالميين وأعظم نجوم جامايكا من دون منازع. وحصلت الويلرز في العام 1976، على لقب"فرقة العام"الذي تمنحه مجلة رولينغ ستونز العريقة، وتم تتويج بوب مارلي أعظم"سوبر ستار"في العالم الثالث. ومن بريطانيا، أصدرت الويلرز في العام التالي ألبومها الأشهر"خروج"الذي تصدر المبيعات في بريطانيا لمدة 56 أسبوعاً. وعندها اكتشف نارلي أنّه مصاب بسرطان الجلد، وكان يتغلب على الألم بتدخين حشيشة"الجانغا". وبعد صدور"كايا"في العام 1978، تسلم بوب ميدالية السلام من الأممالمتحدة في نيويورك. وأصدرت الويلرز ألبومها"بابل عبر الباص". وفي العام التلي أصدرت الويلرز ألبوم"نجاة"الذي خصصه بوب من أجل الدعوة إلى الوحدة الإفريقيّة، وواصلت الويلرز فيه جولاتها العالمية. وسافر بوب في 1980، إلى زيمبابوي لتقديم حفلة ضمن مراسم الاحتفال باستقلالها. ثم أصدرت الويلرز ألبوم"ثورة"الذي لاقى نجاحاً عالمياً كبيراً بخاصة أغنية"أغنية التحرير" التي أصبحت مع أغنية"انهض. قاوم"، نشيداً عالمياً لكل التوّاقين الى الحريّة. وواصلت الويلرز حفلاتها وحضرها مئة ألف مشاهد، في إيطاليا. وقدمت الويلرز حفلتين في الماديسون سكوير غاردن في نيويورك. عاش بوب بعدها بضعة أشهر أنهك فيها السرطان جسده المتعب، قبل أن يتوقف قلب الفنان الأسطوري في أحد مستشفيات ميامي الأميركية في 11 أيار 1981 عن عمر يناهز ال36. مُنح بوب وساماً رفيعاً من بلاده قبل شهر من وفاته تقديراً لدوره في نشر السلام والحريّة داخل جامايكا وخارجها.