يجد جهاد 43 عاما نفسه عاجزاً عن اتخاذ القرار الصحيح في ما يتعلق بابنته البكر التي تقدم لخطبتها شاب من ابناء المخيم الذي يقيم به في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. احتار جهاد وضرب اخماسا في اسداس عندما جاء الشاب لخطبة ابنته البالغة من العمر 16 عاما بين رأي قائل إن الفتاة ما زالت"صغيرة على الزواج"، وآخر قائل إن في زواجها تقليلا لعدد افراد اسرته البالغ 7 افراد. "ويحترق"قلب الرجل الشاب العاطل عن العمل منذ اندلاع الانتفاضة الحالية قبل اكثر من خمسة اعوام، ولا يجد مصدر دخل له بعدما ضاقت سبل العيش به بسبب عدم وجود فرص عمل محلية وارتفاع معدلات البطالة والفقر الى اكثر من 70 في المئة في القطاع . وجهاد وهو واحد من اكثر من 200 الف عاطل عن العمل، كان يعمل لدى مشغل اسرائيلي ويتقاضى اكثر من 1500 دولار شهريا، والآن يعيش على المساعدات التموينية القليلة التي تقدمها"وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"اونروا لامثاله من اللاجئين الفقراء. اما بهجت الموظف في احد اجهزة الامن الفلسطينية، فلم يجد امامه بدّا سوى الاستدانة من"عديله"زوج شقيقة زوجته كي يتمكن من تسيير بعض امور ومتطلبات اسرته المؤلفة من زوجة واربعة ابناء، بعدما تراكمت الديون عليه لمحل البقالة المجاور. وهكذا فعل اسامة الموظف في احدى مؤسسات السلطة الفلسطينية ويعيل اسرة مؤلفة من اربعة ابناء وزوجة، حيث استدان من جاره الموظف في احدى المؤسسات الاجنبية نحو الف شيكل كي يتدبر معيشته الى حين صرف رواتب 165 الف موظف مدني وعسكري يعملون في السلطة الفلسطينية لم تتمكن الحكومة التي تشكلت قبل اكثر من شهر من دفع رواتبهم للشهر الثاني على التوالي نتيجة الحصار الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة عليها. ولم يحذو اسامة وبهجت حذو عشرات الموظفين الذين احتجوا امس على عدم دفع رواتبهم حتى الآن وقرروا عرقلة العمل في عدد من وزارات السلطة الفلسطينية. اما"ع"الذي يعمل مهندساً للصيانة في مطار غزة الدولي في مدينة رفح اقصى جنوب القطاع، فيرفض ما اسماه"سلب الارادة بعد ما سلبت السيادة". وقال المهندس الذي يعمل في السلطة منذ قيامها العام 1994 وانتخب قائمة"حماس"ومرشحي حركة"فتح"في الدوائر في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 كانون الثاني يناير الماضي، انه لا يقبل ان يسلبه أحد ارادته في اختيار من يمثله في السلطة التشريعية والحكومة. ويرى ان"شعبية حماس في ارتفاع نتيجة الحصار وسياسة الخنق المالي المفروضة على الحكومة"على عكس ما يراه آخرون من أن كل يوم يمر تخسر فيه"حماس"شعبيتها بسبب عدم قدرتها على ادارة الامور، خصوصا توفير رواتب الموظفين. وكان رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية قال اول من امس ان المشكلة ليست في توفير الاموال بل في كيفية ادخالها الى الاراضي الفلسطينية، متهماً الولاياتالمتحدة بممارسة ارهاب على البنوك لعدم نقل هذه الاموال. اما الرئيس السابق للجنة الموازنة في المجلس التشريعي السابق الدكتور سعدي الكرنز، فقال انه حسب التصور الذي تم اعداده لموازنة العام الحالي، كان من المتوقع ان تبلغ فاتورة الرواتب 98 مليون دولار شهرياً، مضيفا ان الازمة التي اوجدتها التعيينات استحداث وظائف جديدة من الحكومة السابقة رفعت قيمة الفاتورة الى 140 مليون دولار شهرياً. واشار الى ان قيمة فاتورة آخر راتب دفع للموظفين عن شباط فبراير الماضي بلغت نحو 118 مليون دولار. وقال"ع"الذي ارتفع راتبه الشهري منذ اشهر من 2800 شيكل الى نحو 3400 شيكل نحو 750 دولار انه يعتاش حاليا من مبلغ مالي ادخره للمستقبل، في وقت تستعد ابنته البكر الى تقديم امتحانات الثانوية العامة خلال الشهر المقبل، ولا يعرف كيف سيوفر لها الرسوم الجامعية، او اعالة افراد اسرته المكونة من ست بنات وولدين وزوجته. ورفض بشدة ان تنصاع الحكومة و"حماس"الى مطالب المجتمع الدولي المتمثلة في الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات معها. وختم بالقول:"اذا استطاع المجتمع الدولي ان يعيد لنا فتح مطار غزة الدولي والسيادة عليه او ازالة الجدار تنفيذا لقرار محكمة العدل الدولية، حينها يجب على حماس أن تنصاع لمطالبه؟!".