شكل قرار الحكومة الفلسطينية اقتطاع 30 في المئة من رواتب موظفيها المستنكفين عن العمل في قطاع غزة، وعددهم حوالى 60 ألفاً، بداية معركة سياسية كبيرة بين السلطة وحركة «حماس» على القطاع الذي تديره الأخيرة منذ الانقسام قبل عشر سنوات. ولا يخفي مسؤولون في «حماس» قلقهم من أن تكون خطوة السلطة هذه مقدمة لمزيد من إجراءات الضغط على الحركة التي تدير القطاع، مثل فرض ضريبة على الوقود الصناعي المستخدم في توليد الكهرباء، وتقليص الخدمات التي تقدمها السلطة في قطاعي الصحة والتعليم وغيرها. وقال مسؤولون في الحكومة إن اقتصار اقتطاع الرواتب على الموظفين المستنكفين في غزة يعود إلى أن «حماس» تجبي الضرائب من سكان القطاع ولا تقدمها إلى خزينة الحكومة، ولا تسمح لها بإعادة تشغيل موظفيها وإدارة المعابر وخلق وظائف جديدة وجلب الدعم الدولي لإعادة إعمار القطاع. وأصدر رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله أمس، بياناً قال فيه إن «قرار الحسم من الرواتب هو تجميد لجزء من العلاوات، وليس قراراً دائماً، وسيتم صرفها حال توفر الموازنات واستجابة حماس لمبادرة الرئيس محمود عباس». وأضاف أن الحكومة «لم تتخل ولن تتخلى عن قطاع غزة، وستبذل الجهود كافة مع كل الدول الداعمة لتوفير الموازنات المطلوبة». وكان الرئيس عباس شكل وفداً من حركة «فتح» للتحاور مع «حماس» في غزة في شأن السماح للحكومة بإدارة القطاع. ومن المتوقع أن يتوجه الوفد الذي يضم ستة أعضاء إلى غزة في غضون أيام. وقال الدكتور جمال محيسن عضو الوفد إن الوفد سيطلب من «حماس» حل اللجنة الإدارية التي شكلتها أخيراً لإدراة القطاع، وتسليم المؤسسات العامة والمعابر للحكومة الرسمية، والسماح بعودة الموظفين المستنكفين عن العمل إلى مواقعهم. كما سيطلب الاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال فترة زمنية قصيرة. وأعلنت الحكومة في بيانها الأسبوعي أمس، أن لديها خطة جاهزة لتولي شؤون قطاع غزة فور حل اللجنة الإدارية التي شكلتها «حماس» أخيراً لإدارة قطاع غزة، والسماح بعودة الموظفين وتسليم المعابر والوزارات، وتمكينها من العمل في قطاع غزة. وجاء في بيان الحكومة: «مارست حماس عمل حكومة الأمر الواقع، وفرضت سيطرتها على قطاع غزة غير آبهة بمعاناة شعبنا، بل فرضت الأتاوات تحت مسميات مختلفة من رسوم وضرائب لصالح خزينتها وأثقلت كاهل المواطنين، وتاجرت بالأدوية والإسمنت وغيرها من مواد إعادة الإعمار». وتابعت: «أصرت (حماس) منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني على وضع العراقيل والعقبات للحيلولة دون تمكينها من أداء مهامها، برفضها تسليم الوزارات والدوائر الحكومية، والسماح بعودة الموظفين إلى أماكن عملهم، وبرفضها الاقتراحات المنطقية والعملية لإعادة الوحدة للوطن ومؤسساته، وبرفضها تسليم المعابر، ورفضها التجاوب مع المبادرة التي تقدمت بها الفصائل الفلسطينية إلى رئيس الوزراء، والتي استجاب لها فوراً لحل أزمة معبر رفح، وقيامها بتوزيع الأراضي الحكومية على موظفيها». وفي إيضاح لخلفيات القرار، قالت الحكومة في بيانها: «على الجميع أن يعلم ويقر بأن هذه الحكومة أعادت ترتيب أولوياتها، وعملت على توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الجباية في الضفة الغربية، ليزداد تحصيلها من الإيرادات المحلية خلال السنوات الماضية بنسبة 21 في المئة لتصل إلى نحو 320 مليون شيكل شهرياً (حوالي مئة مليون دولار)، في الوقت الذي لا يتجاوز مجموع إيرادات الحكومة من الجمارك والضرائب عن البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة مبلغ 10 ملايين شيكل شهرياً (2.5 مليون دولار)». وقالت إنها أنفقت 17 بليون دولار على قطاع غزة منذ الانقسام، على رغم «استحواذ حماس على معظم إيرادات القطاع وشح الدعم الخارجي». وفي اتهام مباشر ل «حماس» عن مشكلات الفقر والبطالة الواسعة في القطاع، قال البيان: «وقف الانقلاب حائلاً أمام أي خطط حكومية لخلق فرص عمل جديدة إنصافاً للأجيال المتعاقبة بسبب استمرار سيطرة حماس على المؤسسات والوزارات الرسمية ورفض تسليمها وتمكين الحكومة من العمل»، علماً أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 45 في المئة، وترتفع هذه النسبة إلى اكثر من 60 في المئة بين الخريجين الشباب. وردت «حماس» على الحكومة، قائلة إن خطوتها تهدف إلى ممارسة الضغط عليها للتنازل عن إدارة قطاع غزة. كما تظاهر أمس عشرات من الناشطين أمام مقر رئاسة الوزراء في رام الله، مطالبين الحكومة بالتراجع عن قرارها اقتطاع نسبة من رواتب الموظفين في غزة. وأقامت الشرطة حواجز على الطريق المؤدية إلى مقر الحكومة لمنع وصول المحتجين.