مرّت تظاهرة المعارضة اللبنانية لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بسلام امس، على رغم حشد منظميها عشرات الآلاف من المشاركين فيها الذين أفادت التقديرات انهم أكثر من مئتين وخمسين ألف متظاهر وفق ما أعلنه وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت، شكل مناصرو"حزب الله"الكتلة الأساسية بينهم، فضلاً عن تولي الحزب ضبط مسارها بفرز مئات من عناصر الانضباط للحؤول دون أي احتكاك بين المتظاهرين وبين القوى الأمنية التي واكبت التظاهرة بإجراءات استثنائية مشددة، منذ انطلاقها، حتى انتهائها قرب السرايا الحكومية، اذ ضرب الجيش وفرقة مكافحة الشغب طوقاً حولها وعند مداخل الشوارع المؤدية الى مقر المجلس النيابي ووزارة المال وسط بيروت، منعاً لاقتراب أي مجموعات منها. لكن عناصر الانضباط التابعين للحزب لم ينجحوا في خفض غلبة الطابع السياسي للتظاهرة في الهتافات والشعارات، على الطابع النقابي المطلبي المتعلق برفض عدد من البنود الإصلاحية في برنامج الحكومة الاقتصادي، خصوصاً ان المسيرة نظمت بدعوة من هيئة التنسيق النقابية لرابطات الأساتذة والموظفين في القطاع التعليمي الجامعي والمدرسي، والرسمي والخاص، والتي خرج بعض القوى على قرارها الإصرار على التظاهر بحجة إعلان الحكومة سحب فكرة التعاقد الوظيفي من التداول، معتبرة انه لم يعد مطروحاً. وكان هذا التعاقد موضوع الاعتراض الرئيسي من الهيئة ومن الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله، لكن الأخيرين أصرا على إعلان الحكومة إلغاءه وعدم الاكتفاء بسحبه من التداول. راجع ص 7 و8 لكن"حزب الله"وحلفاءه المشاركين في التظاهرة، أي"التيار الوطني الحر"وحركة "امل"والحزب الشيوعي وعدداً من تجمعات المعارضة الأخرى مثل حركة الشعب التي يترأسها النائب السابق نجاح واكيم، والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب"البعث"وتنظيم المردة الذي يتزعمه الوزير السابق سليمان فرنجية... وجهوا رسالة قوية الى الحكومة بقدرتهم على تجييش الشارع ضدها في خضم الانقسام السياسي الذي يعيشه لبنان حول طريقة تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني، في شأن العلاقة مع سورية ومسألتي تنحي رئيس الجمهورية اميل لحود ومصير سلاح المقاومة، في ضوء وضع استراتيجية دفاعية، اللتين ستتطرق إليهما الجولة المقبلة من الحوار في 16 الشهري الجاري. وفي وقت انسحب الانقسام السياسي على الجسم النقابي فرزاً أدى الى امتناع نقابات موالية لتحالف قوى 14 آذار عن المشاركة في الاضراب الذي بدأ بعد الظهر، وفي التظاهرة سواء في التعليم الخاص والتعليم الابتدائي الرسمي فإن بعض الشعارات التي ظهرت خلال التظاهرة عكس مدى الاحتقان السياسي بين جمهور المعارضة وقوى الأكثرية، على رغم الجهد الذي بذله انضباط"حزب الله"وقادة حركة"امل"لإخفاء الأعلام والمظاهر الحزبية للقوى المشاركة في التظاهرة والاكتفاء بحمل العلم اللبناني وبالشعارات النقابية، لإبعاد تهمة الأكثرية للمعارضة باستهداف الحكومة والانسياق وراء"امر عمليات سوري". إذ عادت الأعلام الحزبية وظهرت لقوى الحزب و"أمل"والتيار العوني و"الشيوعي"و"حركة الشعب"، فضلاً عن شعارات تدعو الى إسقاط حكومة السنيورة، وهتافات لنصر الله وعون وبري والرئيسين الإيراني محمود احمدي نجاد والسوري بشار الأسد، وضد زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري، ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع. بل ان احد الهتافات تناول الرئيس الراحل رفيق الحريري بالقول:"السنيورة وأبو بهاء يا سراق ويا حرامي". مقابل شعارات مطلبية:"بيروت تمهل ولا تهمل: لا للضرائب والفساد، نعم للعدالة والإصلاح"و"من سرق المال العام الفقراء ام حيتان المال؟"تجمع المعلمين و"يا حكومة اكثرية لبنان منو للبيع ولا شركة عقارية". وسعى رجال الانضباط التابع ل"حزب الله"الى الحؤول دون بعض الشعارات النقابية، في إطار ضربهم طوقاً بين المتظاهرين وقوى الأمن والجيش، خصوصاً عند وصولهم الى وسط بيروت. وأعلن وزير الداخلية بالوكالة الدكتور احمد فتفت ان التظاهرة"ذات طابع نقابي ظاهرياً وسياسي في المضمون". وزاد:"نسمع كلاماً على طاولة مجلس الوزراء وشيئاً مخالفاً في الشارع يقصد"حزب الله"و"امل"اللذين يشاركان في الحكومة. وشكر فتفت القوى الأمنية والجيش، وأقر بتعاون منظمي التظاهرة متمنياً تعاوناً مماثلاً في مجلس الوزراء"لأن التعاطي بأسلوبين بين مشاركة ومعارضة يؤدي الى عرقلة عمل الحكومة". واعتبر مصدر قيادي في تحالف"أمل"و"حزب الله"ان التظاهرة ناجحة بكل المقاييس العددية والسياسية، مسجلاً ان الجديد فيها اشتراك انصار تيار العماد ميشال عون مع التحالف الشيعي وحلفائه الآخرين"للمرة الأولى منذ سنة في تظاهرة شعبية واحدة. وهذا تطور مهم". وأوضح المصدر ان التظاهر لم يكن ليحصل لو لم يهاجم النائب الحريري الحزب و"أمل"في حديثه الى"الحياة"الاثنين الماضي ولو لم يرفض الرئيس السنيورة التوصل الى صيغة إعلان لموقف يعد بعدم الأخذ ببعض الإجراءات الاقتصادية. وأضاف:"انها رسالة الى الحكومة والنائب الحريري بأنهما لا يستطيعان التصرف في شكل لا يأخذ في الاعتبار موقفنا". لكن المصدر أصر على تأكيد ان"التظاهرة لا تعني على الإطلاق اننا بدأنا معركة إسقاط الحكومة كما يقول قادة الأكثرية، فهذا ليس صحيحاً. فهي عند حدود إرسال إشارة الى الأكثرية بألا تتجاهل الآخرين. اما الأطراف التي ترفع شعار إسقاط الحكومة ومنها العماد عون فقد تم إفهامها ان"أمل"و"حزب الله"ليسا في هذا الوارد من خلال هذا التحرك". وتابع المصدر ل"الحياة"انه يتوقع بعد المواجهة السياسية بين"أمل"و"حزب الله"والمعارضة من جهة وقوى الأكثرية من جهة ثانية، ان يجلس الجميع الى الطاولة من اجل استكمال الحوار في جولة 16 الشهر الجاري. ولم يستبعد ان تسبق الجلسة اتصالات منها بين الحريري والتحالف الشيعي، مشيراً الى ان هذه الاتصالات لم تنقطع بين زعيم"تيار المستقبل"وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري عبر النائب علي حسن خليل.