ليس غريباً على شعبنا الفلسطيني الذي عانى الأمرّين جراء الاحتلال الإسرائيلي لقرابة أربعين عاماً أن يصمد أمام كل الضغوط التي فرضت عليه من الداخل والخارج، في صمود أسطوري حطم عزيمة المحتل الغاصب لأرضنا وعرضنا ومن ساعده من الدول الغربية. وكان لهذا الصمود والتحدي لإرادة شعبنا الفلسطيني هو عنوان المرحلة المقبلة، فالشعب الفلسطيني الذي اختار مسبقاً حصاره بيده كان على يقين بأن الهجمة التي ستأتيه بعد انتخابه لحركة"حماس"بديلاً عن حركة"فتح"التي حكمت الشعب الفلسطيني لأكثر من أربعين عاماً، أي منذ انطلاقتها، ان تلك الهجمة ستكون أشرس وأعمق من كل الضغوطات التي فرضت علينا كشعب فلسطيني من دول صديقة وعدوة، إلا أن هذا الحصار شعر الشعب به وكأنه مفتعل لمجرد فوز حركة"حماس"، ما زاد من التفاف عدد كبير حولها خصوصاً أنها حركة إسلامية تعيش في مجتمع يميل إلى الإسلام أكثر منه إلى غيره، في ظل القتل اليومي من الاحتلال الإسرائيلي، لذا راهن الشعب على هذه الحركة بحياة أفضل وأمن مستقر، إلا ان الاحتلال الإسرائيلي لم يقرأ الرسالة بوضوح، وضرب بعرض الحائط الأخلاق الإنسانية وحتى الدولية، وأصر على قتل وتدمير الإنسان الفلسطيني في كل مناحي الحياة، وينتظر هذا الغاصب منا أن ندين مسيرة شعبية تنطلق في مدينة ما من مدن الوطن للتنديد بجرائم هذا الاحتلال، وهو يعلم جيداً أن دماء الفلسطينيين الأبرياء ستكون باهظة له في يوم ما إذا قارنا وضعنا الحالي بما هو آت. فمنذ أكثر من عام التزمت الفصائل الفلسطينية بوقف أشكال المقاومة وتفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي بالنيل من المواطنين الأبرياء، وذلك في اتفاق القاهرة الذي وقعته هذه الفصائل وكان بمثابة اتفاق أحادي الجانب، لأن الاحتلال الإسرائيلي لم يتوان ولو للحظة في قتل الفلسطينيين، ما اضطر التنظيمات باستثناء حركة"حماس"، لتمزيق الاتفاق والعودة من جديد الى الكفاح المسلح كسبيل لصد الهجمات الإسرائيلية على المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، من هنا قررت حركة"الجهاد الإسلامي"كفصيل فلسطيني وحيد على الساحة الفلسطينية، بأن تتخذ من الجهاد والنضال السبيل الوحيد لها، فابتعدت عن الحياة السياسية وما يصاحبها من قذارة السياسة والساسة، وكان لهذا النهج في سياستها رد فعل إسرائيلي متمعن في قتل واستهداف هؤلاء القادة الشبان. ولم تكن كتائب شهداء الأقصى ولجان المقاومة الشعبية نائمة على ريش من نعام، فبمجرد أن بدأت المقاومة تعود من جديد حتى أعلنت الكتائب واللجان استئناف المقاومة من جديد على اعتبار أنهم يدركون جيداً أن الهدنة المجانية لن تجدي نفعاً مع الاحتلال الإسرائيلي، وان دماء الأبرياء الفلسطينيين هي في أعناق هؤلاء المقاتلين، لذا كان لا بد من توحد"سرايا القدس"وپ"الكتائب"وپ"اللجان"في خندق واحد أمام العدو الإسرائيلي. وعلى رغم الانقسام الداخلي في قيادة حركة"فتح"والهزيمة التي لحقت بها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلا أن أجنحتها العسكرية ما زالت هي متنفس مناصري وأعضاء الحركة. أما"حماس"التي التزمت اتفاق القاهرة ودخلت الحياة السياسية، فما زالت تهدد وتلوح بعودة كتائب الشهيد عز الدين القسام جناحها العسكري، الى ميدان المعركة، خصوصاً في حال فشل قيادتها السياسية في تسيير أمور الشعب الفلسطيني من خلال حكومة تترأسها الحركة، وقد أبقت"حماس"على تدريب عناصرها في شكل سري تحسباً لأي طارئ، لذلك لم تأت تهديدات"حماس"بإشعال منطقة الشرق الأوسط، أو تواجد ألف زرقاوي في الأراضي المحتلة في حال سحب البساط السياسي من تحت الحكومة التي تتزعمها، من فراغ، فهم يعدون عدتهم بالتزامن مع الوضع السياسي الراهن، وهي ورقة رابحة بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، خصوصاً أن الجناح العسكري لحماس هو الأفضل من حيث الدقة والتنظيم والقتال. ولكن يبقى السؤال المعهود: إلى متى ستبقى حالنا هكذا؟ ومتى سيتحول التلويح إلى واقع في ظل عدم توقف القصف الإسرائيلي اليومي علينا واستهداف مواطنين أبرياء؟ والى متى سيصمد الشعب أمام هذا الحصار الخانق؟ يوسف صادق - بريد الكتروني