"اعتقالات واغتيالات وجثث مجهولة يتم نقلها في سيارات حكومية مكشوفة"، مشاهد يومية ألفها العراقيون وتعايشوا معها بعدما باتت جزءاً من روتين حياتهم اليومية، فمنذ ثلاث سنوات لا يكاد يخلو يوم من وصول بلاغات جديدة عن وجود جثث مرمية على قارعة الطريق في مناطق زراعية مكشوفة، او بالقرب من أكوام النفايات ومجاري الصرف الصحي في ضواحي المدن، لا سيما بغداد. وغالباً ما تكون"الجثث مقيدة اليدين ومعصوبة العينين وقد بدت عليها آثار التعذيب"- كما تفيد عادة، بلاغات وزارة الداخلية - وتبدأ الرحلة الصباحية لقوات الأمن العراقية في اتجاهات وجود هذه"الجثث مجهولة الهوية"والتي غالباً ما يكون السابلة قد عثروا عليها فأخبروا"الجهات المسؤولة". وتؤكد الإحصاءات الرسمية ان عدد الجثث المجهولة التي يتم العثور عليها يتراوح بين 10 و30 جثة يومياً تنقل الى المستشفيات الحكومية، ثم الى معهد الطب العدلي في بغداد لتحفظ هناك بانتظار من يتعرف عليها لاحقاً من ذوي الضحايا، فيما يضطر الأطباء الى دفن بعض الجثث بعد مرور مدة قصيرة. القاتل والضحية في مقبرة واحدة! ويقول د. قيس حسن، مدير معهد الطب العدلي في بغداد ان بناية المعهد لا تتسع لأكثر من 200 جثة شهرياً فيما يرد اليها اكثر من 1000 جثة كمعدل شهري. ويؤكد ان عدد الجثث المجهولة التي تصل إلى المعهد من مدينة بغداد وحدها ارتفع من 2008 جثث عام 2002 الى 10105 جثث مع نهاية عام 2005 وان هذه الحصيلة لا تشمل ضحايا الانفجارات والمواجهات المسلحة في المدن الساخنة وانما تقتصر على اشلاء الانتحاريين والجثث المتفرقة لضحايا الانفجاراتپالذين يصعب التعرف عليهم، إلى جانب جثث مجهولي الهوية التي يتم العثور عليها من جانب القوات الأمنية. ويضيف ان"قانون وزارة الصحة يشترط بقاء الجثامين المجهولة التي لا يتم التعرف على هوياتها شهرين كاملين في برادات الموتى. لكن هذا القانون اصطدم بمضاعفة عدد الجثث الواردة وتراكمها ما دفعپالاطباء الى القيام بعمليات دفن اسبوعية في مقابر الدولة بعد الحصول على موافقة القاضي المختص وتحت اشراف امانة بغداد. وتدفن الجثث بعد تصويرها وتحديد العلامات الفارقة على اجساد الضحايا والاحتفاظ بمقتنياتهم من الملابس والحلي احتمالاً لمراجعة ذويهم بعد مدة... وتمنح قبورهم ارقاماً خاصة لتسهيل التعرف على اصحابها من جانب ذويهم عند المراجعة.پ ويتراوح عدد الجثث التي تدفن في كل مرة بين 60 و 70 جثة بينها اشلاء الانتحاريين الذين يرقدون في المقابر ذاتها التي يرقد فيها ضحاياهم. ويشير حسنپالى ان غالبية الجثث تحمل آثار طلق ناري، فيما تحمل جثث اخرى دلالات الموت خنقاً، وهي من الحالات التي صارت تظهر مؤخراً على الجثث المجهولة، فيما تصل جثث اخرى مقيدة وقد بدت عليها آثار التعذيب من طريق الكي بالنار وثقوب المسبار المقدح.پويؤكد ان عدد الجثث المجهولة التي وصلت الى المعهد بلغت 1086 جثة في شهر كانون الثاني يناير من العام الحالي، وارتفع العدد الى 1110 جثث في شباط فبراير الماضي، معتبراً ان الاجراءات الامنية المشددة والمصحوبة بتطبيق قانون حظر التجوال غالباً ما يكون لها اثر واضح في تقليل عدد الضحايا. أهالي الضحايا والقبور المجهولة في المقابر الكبيرة في كل من بغداد وكربلاء والنجف ثمة بقع منتشرة بين القبور حفرت على عجل وردمت بشكل غير منتظم من دون وجود شواهد تدل عليها. ولولا دلالة حراس المقبرة لما عرف أن هذه الحفر المردومة بشكل عشوائي هي قبور لأشخاص مجهولين توفوا لأسباب شتى ولم يتم التعرف على هوياتهم، ودفنتهم السلطات الرسمية بعد اسابيع اذ لم يسأل احد عنهم. ويقول"ابو زينب"صاحب"مغتسل الفرات"في مقبرة كربلاء ان عمليات دفن الجثث تتم تحت اشراف الجهات الحكومية والوقف الشيعي، مشيراً الى ورود اعداد كبيرة من الجثث المجهولة الهوية الى المقبرة، وكانت آخر"دفعة"125 جثة مقتولة بأساليب مختلفة وبعضها مقطوعة الاطراف. ويروي ابو سعد والد احد الضحايا من مجهولي الهوية معاناته في رحلة البحث والتعرف على جثة ولده الذي اختطفه مسلحون مجهولون من امام منزله اثناء خروجه الى العمل. واضطر ابو سعد الى القيام برحلة طويلة ومتكررة بدأت من مراكز الشرطة والدوائر الامنية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وانتهت بين الجثث المجهولة في المستشفيات ومعهد الطب العدلي، ويقول ان جاره الذي عثر على جثة احد اقاربه في معهد الطب العدلي نصحه بالتوجه الى هناك بعد مرور ثلاثة اشهر على اختفاء ولده الذي كان يعمل في القوات الامنية. وحصل اخيراً على رقم القبر الذي يرقد فيه الضحية في مقبرة الكرخ في بغداد، ويؤكد انه لم يخبر زوجته بالامر بسبب سوء حالتها الصحية وكي لا يموت الأمل الذي تحمله في نفسها بالعثور على ولدها حياً. اتهامات... وشكوك وعلى رغم اتفاق جميع الأطراف السياسية السنية والشيعية في البلاد على أن عمليات القتل الطائفي التي برزت أخيراً على الساحة العراقية، تأتي في اطار محاولات لاشعال الحرب الأهلية، فإن هذه الأطراف غالباً ما تتبادل التهم حول المسؤولية عنها. ويوجه بعض قادة السنة الاتهامات إلى الميليشيات الشيعية منظمة بدر التابعة إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عبدالعزيز الحكيم بتنفيذ هذه العمليات وباستخدام"فرق الموت"وهي التسمية التي يطلقها العراقيون على العصابات التي ترتدي الاقنعه السود وتستخدم مركبات مماثلة لتلك التي تستخدمها قوات الأمن والشرطة العراقية في وزارة الداخلية وتقوم بقتل الاهالي بعد اصطحابهم الى جهات مجهولة. هذه الفرق التي باتت لغزاً محيراً في الشارع العراقي أثارت نشاطاتها جدلاً كبيراً بين الناس بسبب مسؤوليتها عن قتل مئات العراقيين من المواطنين العزل ورمي جثثهم في اماكن الصرف الصحي أو بين أكوام القمامة، وباتت تتخذ من المدن الكبيرة التي يعيش فيها خليط عرقي وديني ومذهبي من السكان ميداناً لممارسة نشاطاتها التي غالباً ما تزداد مع تزايد التدهور الأمني في البلاد. ويشاهد سكان مدن مثل بغداد والموصل وبابل وديالى تلك الفرق وهي تدور في شوارع مدنهم وتعتقل المصلين في المساجد أو تداهم المنازل الآمنة لاصطحاب رب العائلة مع أحد أبنائه ليتم العثور على جثثهم في وقت لاحق وقد بدت عليها آثار التعذيب. وتنطلق هذه الاتهامات من مبدأ تزايد عمليات الاغتيال عقب تولي المجلس الأعلى حقيبة الداخلية في الحكومة العراقية الموقتة في نيسان أبريل الماضي. وتنفي وزارة الداخلية الاتهامات بأنها تدير فرق إعدام تستهدف السنة لكنها تعترف بأن مسلحين يرتدون زيها وراء سلسلة من عمليات الخطف والقتل التي وقعت في الأحياء ذات الغالبية السنية.