تعيش منطقة كردستان العراق وضعاً خاصاً منحها من الامتيازات ما جعلها تنفرد عن مناطق العراق الاخرى وساعدها على ان تحقق الكثير من الإنجازات على المستويات السياسية والاقتصادية. وعلى رغم الصراعات الدموية في اواسط تسعينات القرن الفائت بين الحزبين الكرديين الرئيسين الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، فان الانقسام الذي ادى آنذاك الى تشكيل ادارتين كرديتين للاقليم، احداهما في اربيل والاخرى في السليمانية، ما لبث ان التأم امام مشروع"اسقاط نظام صدام حسين"ليتمخض في"حقبة ما بعد الاحتلال"عن تحالف الفريقين، واقامة اقليم موحد: حكومة، وادارة، وبرلماناً. غير ان السؤال الذي يطرح على الأكراد حيال هذا كله يتعلق بالوضع الذي يجدون فيه انفسهم اليوم، وعن طبيعة الدور الذي يضطلعون به في العملية السياسية الجارية في البلد، والافق المستقبلي الذي يفتحونه لأنفسهم امام طموحاتهم وآمالهم"القومية"؟ ثلاث سنوات مرت على دخول القوات الأجنبية العراق وجد خلالها الاكراد دورهم معززاً، فما الذي أضافه الوجود الأجنبي الى الأكراد؟ سياسياً، وحتى سقوط النظام السابق في 2003، كان ينظر الى الاكراد على انهم"بؤرة توتر"في الوضع الداخلي العراقي، و"مثار حساسية"لدى بعض دول المنطقة. واذا كانت سبعينات القرن الماضي شهدت اول تجربة في حياة الاكراد وفي تاريخهم الحديث للحكم الذاتي الذي منحتهم اياه"حكومة احمد حسن البكر"في ما اعتبر يومها انفراداً بوضع متميز لاكراد العراق بالنسبة الى نظرائهم في دول الجوار الأخرى: سورية، وتركيا، وايران... اذا كان هذا كله قد حصل، فان تسعينات القرن شهدت حالة من"الاستقلال الذاتي"لمنطقة كردستان عن"الحكومة المركزية"وسلطتها، فأصبح ل"الإقليم"وضعه الخاص، وادارته الذاتية، من دون ارتباط سياسي بالحكومة المركزية في بغداد. وبما ان الجانب الكردي بطرفيه الأساسيين طالباني وبرزاني كان ضمن خط المعارضة لنظام صدام حسين، ومتعاوناً في شكل مطلق مع الجهات العاملة على اسقاطه، فان الغزو الذي تعرض له العراق من القوات الاميركية والاخرى المتحالفة معها، اعتبر، ترجيحاً في"ميزان القوى"لمصلحة الكرد اكثر من غيرهم، وهم الذين ساهموا فيه، بقوة. لقد ساهم"الوجود الاجنبي"في تحقيق طموحات الكرد التي يجدونها مشروعة وجزءاً من حقوقهم الطبيعية، وجاء انتخاب جلال طالباني رئيساً للعراق ومسعود بارزاني لإقليم كردستان ليعزز الاعتقاد بأن الأكراد بدأوا يتحولون الى جزء اساسي من المعادلة العراقية. العلاقة الكردية - الكردية هي الأخرى تعززت بفعل الأحداث السياسية التي أفرزها دخول القوات الاجنبية، فالسياسيون الكرد، من جانبهم، يرحبون بالوجود الاميركي ويرون انهم تمكنوا من تسخيره لمصلحتهم نافيين في شكل قاطع أن تكون اميركا استغلت الكرد في سعيها لإقامة منطقة تخدم مصالحها. لكنهم في الوقت نفسه، يرون ان تعزيز وجودهم لن يكون بأي حال من الأحوال على حساب بقية الأحزاب العراقية أو على حساب الدول المجاورة الإقليمية، كما ينفون نية الأكراد في الانفصال عن العراق، على رغم انهم يجدون في ذلك حقاً مشروعاً لهم. وعلى رغم بطء العملية السياسية الجارية في كردستان في شأن توحيد الإدارتين الكرديتين في أربيل والسليمانية، فإن العملية برمتها ما زالت مستمرة كمشروع قائم، وهذا ما أكده رئيس الحكومة الكردية نيجرفان البارزاني الذي قال اخيراً ان الحكومة الجديدة سيتم تشكيلها بعد عطلة أعياد نوروز"، لافتاً الى انها"ستكون حكومة موسعة تضم، إضافة الى الحزبين الرئيسيين بقية الأحزاب الكردستانية". إلا أن بعض المصادر الكردية في السليمانية تجد أن تشكيل الحكومة الكردية مناط بتشكيل الحكومة العراقية، مشيرين الى ان"هناك اتفاقاً مبرماً بين الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني يقضي بدعم الحزبين ترشيح الطالباني لرئاسة الدولة، مقابل ترشيح البرزاني لرئاسة الإقليم، وفي حال وجود أية مشكلة بخصوص تجديد ولاية الطالباني في بغداد فإنها ستنعكس على موقع الرئاسة في الإقليم". الوجود الأجنبي في كردستان الا ان السؤال الذي يثار هنا هو حجم الوجود الفعلي لقوات الاحتلال على ارض الواقع في"الإقليم"؟ تفيد المصادر المعنية بالأمر انه يمثل أضعف وجود يمكن ملاحظته قياساً بما هو عليه في بقية مدن وسط وجنوب العراق، فالوجود الأجنبي في كردستان وجود قليل جداً فضلاً عن ان حركة هذه"القوات"غير ظاهرة وتحرك قوافل القوات الأجنبية يكون ضمن سيارات مدنية ونادراً ما تُرى القوافل العسكرية، المكونة من دبابات ومدرعات. على الصعيد الاقتصادي، يبدو ان استقرار المنطقة امنياً قياساً بغيرها من مناطق العراق الأخرى ساعد على دخول العملية الاقتصادية في حالة نمو وازدهار واضحين. اذ شهدت كردستان خلال السنوات الثلاث الماضية توسعاً اقتصادياً يحلو للبعض من المتخصصين تسميته بالانفتاح، بينما يرى آخرون انه لا يمثل اكثر من فوضى اقتصادية وعمرانية غير منضبطة. زائر كردستان يمكنه ملاحظة الحركة العمرانية التي تنتشر مظاهرها في كل أنحاء الإقليم، والكثير من الشركات الاستثمارية الاجنبية خصوصاً، توجهت الى كردستان بغرض العمل فيها وفقاً لقوانين الاستثمار المعمول بها في المنطقة والتي يقول عنها مدير مؤسسة تشجيع الاستثمار محمد كريم إنها من أكثر القوانين تشجيعاً للمستثمر من أية منطقة أخرى، فضلاً عن التسهيلات الكثيرة التي تقدمها حكومة الإقليم للمستثمرين سعياً الى تطبيق خطتها في تخصيص القطاع الإنتاجي، مضيفاً أن حكومة الإقليم تحاول تخصيص الانتاج في مقابل اهتمامها ببناء البنى التحتية للمجتمع الكردستاني. الا ان بعض الاقتصاديين يعتبرون انه"على رغم انفصال كردستان ادارياً عن الحكومة المركزية منذ ما يزيد على 14 عاماً بأنها بقيت جزءاً من العراق المحاصر اقتصادياً"، لافتين الى عدم قيام حكومة الإقليم بأية مشاريع استثمارية حتى الآن. في مقابل ذلك، فان متابعين آخرين للجانب الاقتصادي في كردستان يرون أن ما يشهده الإقليم من تطور اقتصادي وعمراني ليس اكثر من قفزة على قوانين الاقتصاد التي تشوه المفهوم الاقتصادي وتجعله حكراً على فئة دون أخرى، ويؤكد هذا الفريق رأيه عبر الاشارة الى ان الأموال الكثيرة التي تم انفاقها على مشاريع بملايين الدولارات أُعيد تنفيذها أكثر من مرة، ويلفتون أن الارتفاع الكبير في اسعار العقارات يعكس الوضع غيرالطبيعي الذي يعيشه اقتصاد الإقليم. الوضع الامني والشيخ زانا أمنياً برزت كردستان وطوال سنوات وجود القوات متعددة الجنسية فيها"منعطفاً جغرافياً"، اذا صح التعبير، قسّم العراق الى منطقتين، فشكل"الإقليم"الجزء الآمن منها وباقي المناطق الجزء المشتعل، فباستثناء العمليات الانتحارية التي حصلت في أربيل في شهري نيسان أبريل وأيار مارس 2005 على مركز للمتطوعين وساحة لتدريب الشرطة، فان مدن الإقليم الثلاث الكبرى بقيت بمنأى عن الاعتداءات الإرهابية والتفجيرات. وكانت ابرز علامة امنية في المنطقة الكردية ما سمي"خلية الشيخ زانا"الكردي الذي قاد شبكة إرهابية قامت بعمليات ابتزاز واختطاف وقتل، وكان يعمل لمصلحة"جماعة أنصار السنة"وتمكنت الشرطة الكردية من اعتقاله ومحاكمته.