بعد ان شرعت بالانتشار بين البشر، يهز شباب الأردن عصا التجنّب في مواجهة انفلونزا الطيور. وقد أثار وصولها إلى المملكة أشكالاً مختلفة من"المقاومة"، ذهب أبرزها باتجاه قرار ضمني بمقاطعة الدواجن ومنتجاتها. وكذلك حرك شكوكاً حيال توقيت الاكتشاف، فيما فتح باب التندّر على مصراعيه. البداية: قرار المقاطعة مع أول إعلان رسمي عن اكتشاف بؤرة انفلونزا طيور في كفرنجة 60 كيلومتراً شمال عمان قبل أسبوعين، وقبل ظهور الاصابة البشرية الأولى بها، اتخذ أردنيون قراراً بمقاطعة لحوم الدواجن، خوفاً من فيروس"اتش5 آن 1"المميت. ويتوافد يومياً كل من عطس الى المستشفى للتأكد من خلوه من المرض! وكان تناقل الإعلام المرئي - المسموع وفضائياته لصور أموات قضوا بأنفلونزا الطيور، كفيلاً بتأجيج الميل إلى تجنب تناول الدجاج، ما تسبّب في كارثة لمربي الدواجن حملتهم الى التظاهر أمام وزارة الداخلية للمطالبة بتحمل الحكومة جزءاً من خسائرهم"الفادحة". وللأسبوع الثاني على التوالي غابت أكلة"مقلوبة الدجاج"، التي يُغرم الاردنيون بها تقليدياً، عن مائدة يوم الجمعة. ولطالما شكل وجودها طقساً أسبوعياً تغتنمه الأسرة لطهي أكلة تحظى بشعبية واسعة. لم تذق هناء طعم الدجاج منذ أكثر من شهرين بعدما علمت بوصوله إلى العراق، خوفاً من الإصابة بالمرض القاتل."لم أعد أنظر إلى الأطعمة التي تعتمد على الدجاج في إعدادها في قائمة الطعام"، تقول وتُردف:"يبدو أنني سأصبح نباتية... أنا لا أحب اللحم الأحمر، وها أنا مجبرة على عدم تناول الدجاج". والظاهر أنه قرار متفق عليه في العائلة"إذ امتنعت والدة هناء عن طهي الدجاج بل وأفرغت مجمّد الثلاجة من الكميات التي اشترتها سابقاً. ولا تكاد لا تخلو نشرة إخبارية منذ نحو سنة من معلومات عن انفلونزا الطيور. "أصبحنا خبراء بالمرض... أعلم أن الفيروس يموت بالطهي على درجة حرارة معينة"، تقول هناء وتستدرك بالقول:"لا مجال لاختبار المعلومة عندما يتعلق الأمر بالصحة... هذا ما تقوله أمي". وهكذا ترك الدجاج، الذي كان"البديل الأرخص"في اعتلاء قمة طبق المنسف، مكانه خالياً، لا سيما مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء. لم يعد"منسف عجاج ما بعجب أردنيّة"وفق أغنية فلكلورية بل بات"يخيف الأردنيّة". وابتكرت مطاعم وجبات ترتكز على السمك، الذي ظل بعيداً عن دائرة الأمراض المميتة، لإرضاء زبائنها محبي اللحوم البيضاء. ويقول مهند:"جربت شاروما السمك، لكنه سيئ جداً... أُفضّل الامتناع عن تناول وجبتي المفضلة حتى زوال خطر انفلونزا الطيور". وليست المعدة وحدها التي يتوجب عليها تجنب الطيور. إذ أُجبر علاء على التخلص من الببغاء الذي تلقاه هدية في عيد ميلاده التاسع عشر عقب تعليمات من أمانة عمان الكبرى تحذر كل من آوى طائراً في منزله، وتوصي بتسليمه أو قتله."لست سعيداً بذبح ببغائي لكنني مضطر لذلك حفاظاً على سلامة أسرتي"، يقول علاء الطالب الجامعي. ويضيف:"لم يسعفني الاستشهاد بالكم الهائل من المعلومات التي قدمتها وسائل الإعلام على مدار أشهر لإقناع والدي بأن الطائر سليم، إذ لم يختلط بطيور مهاجرة"، مشيراً إلى أن"الجميع يتبع مقولة إبعد عن الطير وغنّى له". لم يعد مشهد الطيور تحلق في السماء يحمل معنى رومانسياً، كعهده لمئات السنين. وصار يستفز الخيال ليستحضر مشاهد من أفلام رعب تحوّل الكائنات الوديعة إلى وحوش تلتهم الأرواح. وفي هذا الصدد، يقول سميح:"كنا نتنزه في حديقة عامة عندما انطلقت صرخة تعلن عن اكتشاف طير نافق، فاستنفر الجميع هارباً"! ولم يكتف سميح بالفرار وحسب بل سارع إلى الاتصال بالشرطة بصفته"مواطناً صالحاً". وارتاب بعض الشباب من توقيت اكتشاف انفلونزا الطيور الذي ظلت الحكومة تؤكد خلو الأردن منه، لا سيما أنه يسبق ارتفاعاً جديداً لأسعار المحروقات. ويرى منذر أن"الحكومة ألهت الناس بالخوف على صحتها مع توالي أنباء عن اكتشاف إصابات بين الدواجن هنا وهناك فيما تمهد لزيادة جديدة على أسعار البنزين والكاز". ويعتقد منذر أن توقيت الإعلان جاء لامتصاص غضب محتمل على استمرار رفع الدعم عن سلعة أساسية فيما"تقبع الرواتب مكانها بلا حراك".