الخسائر تنهمر على العرب مثل سهام المشركين، وكل يوم ينقل إلي بريدي الالكتروني انني ربحت مليون دولار، أو خمسة ملايين. كتبت في السابق عن رسائل النصب والاحتيال، وحذرت القراء منها، ولم أعد أفتح رسائل"الفوز"، فعندي من الهموم ما يكفي، غير انه يحدث أن أقع بين حين وآخر، ويؤتى الحذر من مكمنه، فقد حملت رسالة اسم فاتنة، واعتقدت انها من فاتنة صلاح الدين، وهي صديقة لبنانية أميركية شابة وناشرة جريدة"الصحافة"في أوهايو، ثم وجدت انها من فاتنمة سليمان التي قتل الثوار أباها أعتقد في أفريقيا وترك لها ودائع في البنوك تريد مني أن أحفظها لها. وبصراحة، لا أزال أفضل فاتنة صلاح الدين، حتى وهي لا تأتمنني على أموالها، فهي من بلدنا، على فاتنمة التي تريد أن أقتحم معها البنوك قال مدير بنك لطالب قرض انه سيعطيه ما طلب إذا عرف أي عينيه من زجاج. وقال الزبون: عينك اليسرى. وسأله مدير البنك كيف عرف ذلك، وقال الزبون: لأن فيها من الحنان أكثر من عينك الصحيحة. وخدعت بعد ذلك باسم شاليكاشفيلي، فقد كنت أعرف جون شاليكاشفيلي، رئيس الأركان المشتركة الأميركية بين 1993 و1997 الذي سمعت اسمه قبل ذلك من الأمير خالد بن سلطان عندما كان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت. غير انني لم أجد نفسي أمام جنرال أميركي متقاعد هذه المرة، وإنما أمام توم شاليكاشفيلي، من مديري وزارة المعادن والطاقة في البوسنة، وهو قال انه يريد ان يستثمر في بلادي لا أعتقد انه يقصد لبنان غير انه لا يستطيع أن يفعل ذلك بنفسه لأنه موظف حكومي، ويريد بالتالي أن يعطيني ماله لأستثمره. أقول في"المشمش"، فأنا لا أزال أحاول أن أتعلم كيف أحوّل اليورو الى استرليني وبالعكس، وعدائي مع الأرقام يعود الى المدرسة الثانوية، وربما سبقها. وغلبني الفضول بعد ذلك وقرأت رسالة من ايفانوف إلا انه لم يكن سيرغي ايفانوف، وزير خارجية روسيا السابق الذي كنت أراه في الأممالمتحدة، وإنما إيغور إيفانوف، ممثل ميخائيل خوردوكوفسكي، الرئيس السابق لشركة النفط الروسية يوكوس، ويقول ان لديه عرضاً من ذلك البليونير الروسي لأشاركه في صندوق مالي أو صفقة. يبدو انني في موسم"المشمش"وأسبابي لرفض النعمة يجدها القارئ في خلفية الموضوع. فقد اغتيل الكسندر ليتفنينكو، وهو عميل سابق للاستخبارات السوفياتية"كي جي بي"، في لندن بالمادة المشعة بولونيوم 210، وأصيب الأكاديمي الإيطالي ماريو سكاراميلا بالأشعة، غير ان حياته ليست في خطر، وثارت قضية بوليسية وأخبار مؤامرات وتجسس ومال يقصر عن مثلها الروائي جون لي كاري. المهم من كل هذا ما نشر عن امتلاك ليتفنينكو ملفاً خطيراً يكشف كيف دمر الكرملين شركة يوكوس، فانتهى رئيسها خوردوكوفسكي في سجن سيبيري بتهمة التهرب من الضرائب. والملف يركز على دور الرئيس فلاديمير بوتين في تفكيك يوكوس وبيعها لشركة تابعة للكرملين. والآن هناك من يريد أن أشارك في"بزنس"مع سجين في سيبيريا بتهمة النصب. يفترض ألا يكون لي دور في هذا الموضوع، إلا أن الخسائر تتوالى كما قلت في البداية، ففيما كنت أقرأ خبراً بعد خبر عن اغتيال ليتفنينكو تلقيت رسالة من الخطوط الجوية البريطانية تقول ان ثلاثاً من طائراتها حملت آثار أشعة، ويبدو ان ليتفنينكو ورفاقه استعملوها في السفر الى موسكو ومنها. رسالة الخطوط البريطانية جاءتني بعد عودتي من اسطنبول على طائرة للشركة، وبعد أيام من ذهابي الى القاهرة في طائرة أخرى. وبما ان الرسالة طمأنتني الى ان لا خطر على الركاب، فقد قررت ان لا بد من أن يكون هناك خطر، وإلا ما تلقيت الرسالة التي ضمت أيضاً عنواناً الكترونياً لقراءة رحلات الطائرات الموبوءة، ورقمي هاتف محلي ودولي للاتصال. كنت لا أزال أفكر كيف أنجو من حروب مع إسرائيل، وبين العرب، ومن استخبارات ذوي القربى ثم أقع في داهية بين عملاء سابقين وحاليين للاستخبارات الروسية، عندما تلقيت رسالة جديدة من الخطوط الجوية البريطانية تقول ان وكالة حماية الصحة قررت ان لا خطر على ركاب الطائرات الثلاث. قررت بعد ذلك ألا أفتح أي رسالة الكترونية تقول ربحت، أو تحمل أسماء وهمية وشركات، وهكذا كان، الى ان تلقيت رسالة عنوانها"خسارة خسارة"، وقلت ان هذه لا يمكن ان تتحدث عن فوزي بالجائزة الكبرى في اليانصيب مرة أخرى، لأنها تعدني بخسارة، غير أن العنوان كان حيلة خبيثة، فالرسالة هنأتني بالفوز بمليون يورو، ما حرمني النوم وأنا أحاول أن أعرف كم يساوي فوزي بالدولار أو الجنيه الاسترليني، وكيف سأنفقها. أسأل ما فائدة ان يربح الانسان العالم كله ويخسر نفسه؟ لبنان على حافة الهاوية. الفلسطينيون لا يعرفون كيف يطلعون من الهاوية. العراق يذبح ويدمر كل يوم ونحن لا نفعل شيئاً، الا إذا اعتبرنا غث الكلام فعلاً. وأغص بالماء، ثم يأتي نصاب ليقول لي ربحت...