للمشاهد اليومية من المحليات التلفزيونية تأثير كبير في توازن الإنسان الجسمي والنفسي. فالإعلام يثير القلق ويجعلنا نشعر بالمرض، حتى ان بعض المعالجين النفسيين يتحدثون عن عُصاب نفسي جديد يُدعى"الوسواس الإعلامي". ففي لبنان وبعد سلسلة المتفجرات خلال السنة الماضية، اصبح عدد المشاهدين يتزايد حتى وصل الى اكثر من 50 في المئة من الرجال والنساء والشبان. ومن اللافت ايضاً تعلق الأطفال بالسياسة وبالأحداث الراهنة ومتابعتهم البرامج والحوارات الاجتماعية والسياسية. "جومانا"تتابع باستمرار نشرات الأخبار وهي تعيش في منطقة هادئة من ضواحي بيروت. كلما سمعَت انباء التفخيخ التي استهدفت عدداً من الشخصيات، شعرَت بقلق وكآبة عميقين. وكلما أدارت محرك سيارتها صباحاً متجهة نحو عملها، انتابها هذا الإحساس يُصاحبه بعض الرجفة مما يشل حركتها لبضع ثوان،"أُفكر عندما أصعد الى السيارة لو كنت مارة في احد الأماكن حيث يمكن ان توضع عبوة ناسفة، ماذا سيحل بي؟ وإذا تمكّنت من النجاة واحترقت سيارتي الجديدة التي ما زلت حتى الآن أدفع أقساطها، لن يبقى لي حينها سوى البكاء والنحيب". حالة جومانا لا يمكن التغاضي عنها او اعتبارها جنوناً وما أشبه ذلك. يقول الطبيب النفسي ميشال لوجوييه الفرنسي في كتابه"اننا جميعنا نعيش الوسواس الإعلامي بالقوة وأن القرن العشرين هو عصر الإحباط واضطرابات المزاج بينما القرن الحادي والعشرون ينفتح على المرض الإعلامي وهو يولد نوعاً من الحزن تعززه الكوارث والحوادث العالمية والمحلية اليومية، التي تعرضها وسائل الإعلام المرئية المختلفة. هذا المرض يمكن ان يطاول الجميع وبخاصة الأشخاص الأكثر تشاؤماً في الحياة. وبالتالي يجعلنا نثور على هذا الكون الفاسد وننقلب على كل ما يصدّره من إرهاب يمكن ان يطاولنا أينما كنا وحيثما اتجهنا. إضافة الى الوضع الاقتصادي المتدهور والبطالة والوباء المنتشر. هذه الأخطار هي فعلاً حقائق والذين يخشونها ليسوا مهووسين بالطبع، إنما هنالك الكثير ممن تحول خوفهم الى هجاس، يفكرون بهذه الأخطار من دون توقف، لا يتحدثون سوى عنها ويتابعون من دون ملل كل ما يتعلق بهذه الموضوعات. كما ان طريقة عرض المعلومات من خلال الشاشة الصغيرة، تترك في نفوسنا شعوراً عميقاً بالكآبة. وهكذا تمر في ذاكرتنا صور العنف أو بالأحرى صور مسلسل الجرائم التي شاهدناها والتي طبعت أثراً لا يمّحي في نفوسنا وقد نجح التلفاز في ايجاد جو من التشنج والحزن والاستياء جراء ما حصل، كما أفلح ايضاً في تعزيز الوسواس الإعلامي وتقويته، إذاً في شكل او آخر نصبح ضحايا ما نسمعه ونراه، والمعلومات التي تردنا من خلال هذه الشاشة تصبح"شراً لا بد منه". فهل أنتم ممن يتحسسون عذابات الآخرين وتتعاطفون معهم عبر الشاشة الصغيرة؟ إليكم بعض النصائح المفيدة لكي تتخطوا مشكلتكم: - عليكم ألا تنسوا ان ما يعرض على الشاشات ليس إلا نتيجة"مونتاج"يركّز فقط على الحدث ويُعظّم من شأنه. وليس ضرورياً ان يكون قدركم مشابهاً لما ترونه. - عليكم ان تكتشفوا انفسكم وتبحثوا عن مكانتكم وموقعكم المناسب بدلاً من ان تتخيلوا انكم مكان الضحايا الذين تعايشون مأساتهم. فهذا لا يُجدي نفعاً ولا يساعدهم في شيء على الإطلاق. - إن الإعلام المرئي يستمد قوته للإثارة من صور العنف والقهر وهي تخلو من التحليل. ان معرفة المستجدات على حقيقتها من خلال الكتب او المجلات المختصة أو الإنترنت... يقلل من حدة القلق والغضب. - مشكلتكم هي في مدى تعلقكم وتبعيتكم للأحداث. حاولوا ان تقللوا من متابعة نشرات الأخبار مثلاً، أو برامج العنف والاضطهاد والسياسة، وابحثوا عن برامج ترفيهية أو تثقيفية اخرى. عليكم ان تتخذوا نهجاً سياسياً، ايديولوجياً وإنسانياً خاصاً بكم.