"الناس في ما يعشقون مذاهب" مقولة تكاد تنطبق على مدير إدارة البرامج في الشبكة الثقافية في الإذاعة المصرية عادل النادي الذي وقع في غرام ساعات الحائط النادرة والقديمة وأفنى عمره في البحث عن كل ما هو غريب وتاريخي في عالمها. لم يتوقف عادل النادي عند اقتناء هذه الساعات فقط، بل أصبح بارعاً ومحترفاً في إصلاح أي خلل أو عطل فيها. تدخل بيته فتكاد لا تجد مكاناً تجلس فيه... الساعات تحتل شقته الصغيرة في منطقة القلعة في القاهرة، وتغطي الجدران والسقف بل تتسلل إلى الحمام والمطبخ وغرفة النوم بعدما تكدس عددها حتى تجاوز 500 ساعة حائط من مختلف الماركات والموديلات العالمية النادرة التي يعود تاريخ صنع بعضها إلى القرن التاسع عشر حتى أطلقوا عليه"ملك الساعات"بلا منازع. التقيناه لنعرف حكايته مع عالم الساعات وسر عشقه لهذا العالم والمفارقات والمواقف الطريفة والغريبة التي مر فيها طوال فترة التصاقه بهذه الهواية، فكان هذا الحوار: متى وكيف كانت بداية عشقك لعالم الساعات؟ - يرجع تاريخ اهتمامي بالساعات إلى 30 سنة عندما كان لدينا في المنزل ساعتا حائط لا تعملان. وقد حاول والدي إصلاحهما أكثر من مرة إلا أن مصلّح الساعات أخبره باستحالة إصلاح العطل الموجود.عندها وضعهما والدي في الخزانة إلى أني سرقت واحدة خلسةً وفككتها ونجحت في إصلاحها بعد يومين من العمل المضني. وهو ما جعلني أشعر بسعادة كبيرة تفوق لحظات سعادتي بعد التخرج في أكاديمية الفنون، وكان تاريخ هذه الساعة يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر. وقد أدى نجاحي في إصلاح الساعة الأولى إلى فتح شهيتي على إصلاح الساعة الأخرى المتوقفة ففككتها ووضعت يدي على موضع الخلل فيها ونجحت في إصلاحها أيضاً. ومن هنا ذاعت شهرتي في إصلاح الساعات القديمة في أكاديمية الفنون، وفي الحي الذي أقطن فيه. فبدأ كثيرون ينهالون عليّ بساعاتهم المتوقفة لإصلاحها. ورويداً رويداً، بدأت تستهويني مسألة اقتناء الساعات القديمة للاحتفاظ بها حتى بلغ عدد الساعات الموجودة عندي 500 ساعة من مختلف الماركات والموديلات القديمة والنادرة إضافة الى 300 ساعة أخرى مفككة. من أين تحصل على هذه الساعات؟ - أجوب أنحاء مصر بحثاً عن الساعات النادرة أو القديمة ولا أتردد في شراء أي واحدة أعتبرها قيّمة ونادرة أو لا يوجد مثيل لها. كما أحصل في بعض الأحيان على هذه الساعات من المزادات التي تقام في القاهرة وبعض المحافظات. هل يوجد لديك ساعات مرتبطة بأحداث تاريخية؟ - كانت وزارة الري المصرية قبل ثورة 1952 تزوّد كل مكاتب البريد المنتشرة في القطر المصري بساعات الحائط لتعليقها داخل مكاتب البريد. وكان يكتب داخل كل ساعة كلمة بريد باللغة العربية وهي صناعة إنكليزية صُمّمت بناء على تعليمات القوات الإنكليزية التي كانت تحتل مصر آنذاك. أما بقية المكاتب الحكومية في مصر في تلك الفترة فقد تم تزويدها بالساعات نفسها ولكن كان مكتوباً عليها اسم السلطنة المصرية التي أصبح اسمها"المملكة المصرية"بعد التحول إلى المملكة. وبعد ثورة 1952 حملت هذه الساعات شعار جمهورية مصر، وفي عام 1958 حدثت الوحدة بين مصر وسورية، فصارت هذه الساعة تحمل داخلها اسم"الجمهورية العربية المتحدة". واستمر هذا التقليد حتى عام 1975. ومنذ ذلك التاريخ تم التوقف عن تزويد المكاتب الحكومية بهذه الساعات. وهناك ساعة حائط كانت تُملأ كل يوم في عهد هتلر، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، رأى هتلر أن عملية ملء الساعة في شكل يومي أمر مرهق وغير عملي فطلب من مصانع الساعات في ألمانيا تصميم ساعة حائط تظل أطول وقت من دون ملئها، فصمّموا ساعة تُملأ كل 14 شهراً وأطلق عليها الساعة السنوية وهي تحتوي على 4 بليات تدور على محورين يميناً ويساراً وهكذا. ماذا تشعر عندما تفكّر في عشقك الجنوني لعالم الساعات؟ - عندما انظر إلى هذه الساعات، أشعر بلحظات ندم لأنها كبدتني الكثير من المال كما سرقت عمري وحياتي وتسببت في إصابة عيني ببعض المتاعب ما جعلني أجري لهما عمليتين جراحيتين بسبب الإعياء الذي أصبت به جراء إصلاح الساعات الى درجة مكثت أربع سنوات كاملة ومتواصلة من أجل إصلاح إحدى الساعات التي كان يستعصي عليّ إصلاحها. كما أن عشقي وجنوني بعالم الساعات يضطرني في كثير من الأحيان إلى أن أحرم أولادي من شراء ملابس جديدة لهم أو الترفيه عنهم لأن كل نقودي أو معظمها أخصصها لشراء الساعات حتى أنني أنفقت معظم ميراثي من والدي في شراء عدد كبير من الساعات. بعد هذه المسيرة الطويلة وقصة الحب التي لا تزال ممتدة مع الساعات، ماذا تقول عن هذا العالم؟ - عالم الساعات هو الذي يعبر عن الدقة والانضباط ويعلم الإنسان إحترام المواعيد. لذا فإن شعاري بعد هذه الرحلة الطويلة مع الساعات هو"من لا يحترم مواعيدي لا يستحق أن يكون صديقي". وقد لا تتخيل السعادة التي أشعر بها عندما أسمع دقات أكثر من 35 ساعة بانتظام أضعها في مكتبي ولكل منها دقة أو نغمة مختلفة عن الأخرى.