مستبقاً افتتاح متحف الفنون الإسلامية الجديد في الدوحة، يستضيف متحف"اللوفر"في باريس وللمرة الأولى مجموعة نادرة من مقتنيات دولة قطر التي تضم آلافاً من القطع الرائعة من الفن الإسلامي. تكشف القطع المعروضة عن ثراء هذا التراث وتنوّعه ضمن رقعته الجغرافية الواسعة من قرطبة غرباً إلى سمرقند شرقاً، وضمن امتداده الزمني من القرن السابع وصولاً إلى القرن التاسع عشر. وما يميز هذه المجموعة المعروضة هو المنطق الجمالي الواحد وان تنوعت خاماتها وأدواتها لتشمل الخزف والمعادن والزجاج والعاج والورق والزمرد والنسيج. خمسون قطعة من روائع القطع الفنية للفن الإسلامي يحتضنها متحف"اللوفر"حتى شهر حزيران يونيو قبل أن تنتقل إلى متحف نيويورك في شهر تموز يوليو من هذه السنة. واهتمت الدوحة بجمع قطع فنية فريدة توفق بين مهارة الصنع وبلاغة التعبير. وما يعتبر اليوم فناً إسلامياً كان في حقيقة الأمر من مستلزمات الحياة اليومية العادية للمجتمع الإسلامي، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة البشر فعبّر عن أسلوب حياة وثقافة وحضارة سادت مئات السنين. وهي ليست مجرد قطع تذكارية بل تكمن دلالاتها في رؤية شمولية تطبع في ذهن الناظر إليها، صوراً مليئة بالتأمل عبر رحلة استكشافية تبوح بتفاصيلها وكناياتها بسحر الشعر والرمز والإبداع الفني... يطالعنا في المعرض فرمان السلطان سليمان القانوني مكتوباً باللغة التركية. يبدأ بدعاء افتتاحي وينتهي بتوقيع الشهود. الخط ديواني ونفّذ باللونين الأزرق والذهبي، وأضفى على هذه الوثيقة سمة الملوكية وحوّلها من ورقة إدارية إلى قطعة فنية فريدة. من المعروضات أيضاً رأس نافورة من البرونز المسبوك، المنقوش بالحفر، من القرن الثاني عشر ميلادياً، وجاءت، في الغالب، من أحد قصور الزهراء في الأندلس. وتتميز هذه القطعة بالشكل التجريدي الذي نجح في إبراز سمة الحيوان على رغم ابتعاده عن التصوير الواقعي. تطالعنا كذلك زمردة شفافة زيّن وجهها بزخارف نباتية ونُقش على ظهرها دعاء يذكّر بأن مثل هذه الزمردات كانت توضَع كتمائم في أعلى الذراع اليسرى. هناك أيضاً تميمة من اليشم الأبيض من الهند المغولية، وهي قطعة ذات سطح أملس تظهر على جوانبها نصاً مؤلفاً من آيات قرآنية واسم شاه جهان وتاريخ الصنع، صنعت هذه القطعة بعد شهور من وفاة زوجة الإمبراطور ممتاز محل الذي خلد ذكراها ببناء تاج محل الشهير. نسيج ومن السجاجيد المعروضة سجاد على شكل حديقة برقعة شطرنج من آسيا الوسطى، ألوانها دافئة تشبه منمنمات آخر القرن الرابع عشر وخيوطها حريرية على أرضية من القطن، كلها نماذج تغني للحياة وتحتفل بها. وتطالعنا قطع من النسيج منها قطعة من الحرير المخملي الموشى بخيوط فضية من تركيا وهي من القطع العثمانية الراقية المتميزة بتصميمها الزخرفي، وقطعة أخرى من الحرير تعكس درجة عالية من الابتكار، وهي ترتبط بتقاليد حرفية تعود إلى بلاد فارس الساسانية للقرن السادس ميلادياً. هذا إضافة إلى مخطوطات مثل مخطوط"سلوان المطاع في عدوان الأتباع"لابن ظفر الصقلي، ويعود إلى القرن الثاني عشر الميلادياً. وقد عبّر الخط عن وعي عميق بقوة الكلمات ودور اللغة البصرية في التكوين الجمالي، وظهور الكلمات التزينية آيات قرآنية، أبيات شعرية، دعوات وحكم... على كل المنتجات من سجاجيد ومنسوجات ومصوغات وأوعية للأكل والشرب، وتشكيل الأبجدية العربية بالنقش والرسم والحفر والتطريز والغزل، جعله سمة مميزة للفن الإسلامي. من السمات الرئيسة لهذا الفن أيضاً الذي يتفرد به عن غيره من الفنون، الحضور الكثيف للنمط الزخرفي التزييني، والميل الى ملء الفراغات، والأشكال الهندسية التي اصطلح على تسميتها بالأرابيسك وتتمثل في تكرار النسق النباتية. وعلى عكس السيميترية التي توحي بالنظام والترتيب، تعبّر الأرابيسك عن نظرة دنيوية للجنّة فتقدم للناظر رياضاً تتجاوز حدود الزمن ليتمتع بها في كلّ الفصول. وعوض العرض الذي يعتمد على التسلسل التاريخي الذي تعوّد عليه زائر المتاحف في فرنسا، اعتمد المتحف التيمات الفنية في تقديم هذه القطع الرائعة مما يعكس وبقوة مهارة العمل الفني وتفرد القطع. ويأتي هذا المعرض في إطار سياسة متحف"اللوفر"الهادفة إلى إعادة عرض مجموعاتها من الفن الإسلامي في مساحات العرض الواسعة التي سيتم إنشاؤها في ساحة"فيسكونتي"بغية إعطاء الفنون الإسلامية المكانة التي تستحقها كإرث فني للحضارة الإسلامية وما قدمته للحضارات الأخرى. وسيتيح هذا المعرض للجمهور الإطلاع مسبقاً على قطع أقدمها يعود إلى القرن التاسع ميلادياً وأحدثها إلى القرن السابع عشر ميلادياً. يواكب المعرض عدد من النشاطات الثقافية منها ندوات حول الفن الإسلامي وحفلات موسيقية لفرق من إيرانوتركيا وعروض أفلام. وتعمل فرنسا اليوم على استدراك التأخر في مجال الفنون الإسلامية بل وعلى الدخول في منافسة مع المتاحف العالمية الكبرى خصوصاً متحف"الميتروبوليتان"في نيويورك، و"البريتش ميوزيوم"في لندن اللذين سبقاها في هذا المجال. من هنا برزت نيّة الفرنسيين في إقامة قسم قائم بذاته للفنون الإسلامية يكون الأكبر في العالم، خاصة أن الدولة الفرنسية تمتلك المجموعة الأهم من هذه الفنون. ولهذه المناسبة تعرض في متحف"اللوفر"نماذج للمخططات والتصاميم المعمارية الخاصة بمتحف قطر الجديد الذي يشرف عليه الهندسي والمعماري الصيني أيو مينغ باي، وتعرض نماذج من التصميم الداخلي للمتحف التى يتولاها المهندس الفرنسي ميشال ويلموت. وسيتعاون متحف"اللوفر"مع متاحف عالمية أخرى لتنظيم معارض تساهم في التعريف بمجموعاته الخاصة. ومن هذه النشاطات إقامة معارض في"اللوفر"وفي متاحف أخرى، منها معرض في"معهد العالم العربي"في باريس، ومنها أيضا معرض بعنوان"القاهرة والمماليك"،"الفنون في بلاط الأندلس"،"الأمير، القلم والسيف"2006،"إيران الصفوية"2007، و"الفنون الإسلامية في مجموعات اللوفر"في العام نفسه. وستقام معارض أخرى كبرى للفنون الإسلامية في متحف مدينة ستراسبورغ تحت عنوان"طريق الإمبراطوريات"، وفي العام 2007 في متحف"الميتروبوليتان"في نيويورك والمتحف الوطني في طوكيو.