أكدت تصريحات مسؤولين أميركيين وصينيين أن العلاقات التجارية الثنائية طغت على محادثات الرئيس جورج بوش ونظيره الصيني هو جينتاو في البيت الأبيض أمس، من دون التقليل من أهمية أولويات السياسة الأميركية وخصوصاً إيران وكوريا الشمالية. لكنها كشفت في الوقت نفسه أن التنازلات السخية التي قدمتها الصين لارضاء أكبر شركائها التجاريين لن تمنعها من المطالبة بعلاقات ندية بين بلدين يتشاطران مصالح ضخمة في المجالين الاقتصادي والتجاري. وتأهلت العلاقات التجارية لتتصدر محادثات القمة بسبب تطورات لا نظير لها في تاريخ التجارة. ففي فترة قياسية قفزت قيمة الصادرات الصينية إلى أميركا من 100 بليون دولار في العام 2001، إلى أكثر من 243 بليوناً في 2005، حين تبوأت الصين المرتبة الثانية بين كبار المصدرين الكبار إلى الولاياتالمتحدة، وشكلت منتجاتها 15 في المئة من اجمالي الواردات الأميركية. وانعكس الوجه الآخر لهذه الظاهرة الاستثنائية في ارتفاع قيمة العجز التجاري الأميركي مع الصين بنسبة مماثلة متجاوزاً 200 بليون دولار في العام الماضي. وتتضمن موازين تجارة أميركا مع معظم شركائها التجاريين وخصوصاً العشرة الكبار عجوزات أميركية ضخمة، راوحت في 2005 بين 80 بليون دولار مع كل من كندا واليابان و20 بليوناً مع السعودية. غير أن واشنطن حشدت جل مخاوفها في الصين التي تتهمها بسلسلة طويلة من الممارسات التي تتنافى مع قوانين التجارة الدولية، وتعتبرها مسؤولة مباشرة عن تنامي عجزها التجاري مثل إغلاق أسواقها أمام المنتجات الأميركية، والتغاضي عن انتهاك حقوق الملكية الفكرية والنشر. وحولت واشنطن المآخذ المسجلة على الصين إلى مطالب تتوقع تلبيتها من دون أن تدخر جهداً في التأكيد أن أشد هذه المآخذ خطورة هو استمرار الصين بتقييد عملتها الوطنية"وان". ويؤيد موقف واشنطن اقتصاديون بارزون مثل مدير معهد الدراسات الاقتصادية العالمية الأميركي فريد بيرغستون الذي يعتقد بأن"سماح الصين وجيرانها الآسيويين لأسعار صرف عملاتهم بالارتفاع بما لا يزيد على 20 في المئة، حتى قبل عامين، سيخفض العجز التجاري الأميركي بما بين 60 و80 بليون دولار سنوياً". ولم يدخل جينتاو الى البيت الأبيض إلا بعدما دعم موقف بلاده إزاء المطالب الأميركية. إذ اتفق المراقبون على أن زيارته مقر شركة"مايكروسوفت"جاءت لتؤكد صدقية الاجراءات التي أعلنتها الصين في اجتماع اللجنة التجارية المشتركة الثلثاء الماضي في شأن مكافحة القرصنة، والتعدي على حقوق الملكية الفكرية والنشر. كما انطلقت زيارته الى مصانع"بوينغ"من التعليمات التي أصدرها للحكومة الصينية بتشجيع الاستيراد من الولاياتالمتحدة. وكانت نائبة رئيس الوزراء الصيني وو يي التي ترأست وفد بلادها إلى اجتماعات اللجنة المشتركة أعلنت في مؤتمر صحافي مجموعة من"الخطوات العملية والفعالة للتخفيف من حدة الاختلال التجاري بين البلدين". واشتملت على زيادة سهولة وصول الشركات الأميركية إلى السوق الصينية وخصوصاً خدمات الاتصالات والتعاقدات الحكومية وتجارة المعدات الطبية، إضافة إلى ما اعتبره وزير الزراعة الأميركي مايك جوناس قراراً بالغ الأهمية والمتثمل في اعلان إلغاء"مشروط"للحظر الصيني المفروض على استيراد لحوم البقر الأميركية. وعززت الصين خطواتها السخية بارسال وفد ضخم من رجال الأعمال الصينيين الذين وقعوا بالفعل أو يعتزمون التوقيع على 106 عقود مع الشركات الأميركية، ومنها"مايكروسوفت"وپ"بوينغ"، تصل قيمتها إلى 16.21 بليون دولار. ولم يستبعد محللون أن ترتفع لاحقاً إلى 60 بليون دولار. ورحبت ادارة بوش، على لسان وزير التجارة كارلوس غوتيريز والناطق باسم البيت الأبيض بالمبادرات الصينية، واعتبرتها خطوة إلى الأمام، لكنها شككت في نيات الصين ومدى التزامها تعهداتها، ملخصة موقفها بالقول ان"الخطوات والالتزامات التي أعلنتها الصين تشكل تقدماً، لكننا نريد أن نرى نتائج، ووفاء الصين بالتزاماتها". وكرد فعل، لم تخف نائبة رئيس الوزراء الصيني خيبة أملها من"المناخ السائد في واشنطن"وأسلوب تعامل الحكومة الأميركية مع الشركاء التجاريين. ورفضت وو يي تحميل الصين المسؤولية الكاملة عن حال الميزان التجاري الأميركي، مشيرة إلى أن"العجز التجاري الأميركي مع الصين ناهز 200 بليون دولار في العام الماضي، وفق الاحصاءات الأميركية، لكنه لا يزيد كثيراً على 100 بليون دولار في الاحصاءات الصينية. كذلك نفت المسؤولة الصينية أن تكون السوق الصينية مغلقة، مؤكدة أن"قيمة الواردات الصينية بلغت 660 بليون دولار في العام 2005 ، وسترتفع إلى تريليون دولار سنوياً في الأعوام المقبلة". وشددت المسؤولة الصينية على أن بلادها"ليست الرابح الوحيد في علاقاتها التجارية مع أميركا"، لافتة إلى أن"واردات الصين من أميركا ارتفعت بنحو 118 في المئة في الأعوام الخمسة الماضية. كما اصبحت الصين واحدة من مصادر الأرباح الخارجية الرئيسة للشركات الأميركية، التي أنشأت في الصين 50 ألف شركة ناهزت مبيعاتها 75 بليون دولار في 2004".