ما عاد ممكناً تجاهل حدث تلفزيوني فريد يتكرر مرتين على الشاشة نفسها. سجين يتحول مراسلاً صحافياً ينقل الخبر مباشرة على الهواء، ويصبح المصدر الاول لمعلومات المشاهدين. المرة الاولى كانت في شهر آذار مارس الماضي في سجن الجويدة الاردني الذي شهد أعمال شغب وعنف. التقط حينذاك احد السجناء هاتفاً نقالاً لم نعرف من اين جاء به، واتصل بقناة"الجزيرة"ونقل الاخبار مباشرة من السجن. قلنا إنها حادثة وتمر. لكن الحادثة نفسها تكررت أول من أمس في سجن قفقفا. سجين آخر، هو أبو محمد الطحاوي يلتقط بدوره هاتفاً جوالاً لا نعرف أيضاً كيف ومن اين جاء به، ويتصل بالقناة نفسها وينقل تفاصيل التمرد الذي شهده السجن، في الوقت الذي منع فيه الصحافيون الحقيقيون وكاميراتهم من الاقتراب من الموقع. راح الطحاوي يصرخ على الهاتف ويقول إنهم أي رجال الامن كانوا أكثر من ألف، وهاجموا السجناء بعد صلاة الفجر. تشوّش الصوت، وما عدنا قادرين على سماع التفاصيل كلها. حاول المذيع في الاستوديو توجيه الارشادات الى"المراسل"، فطلب منه خفض الصوت والتحدث بهدوء ليصبح الكلام مفهوماً، فيما نحن الجالسين خلف شاشاتنا ننتظر أي معلومة قد تردنا من السجن. صار الطحاوي مصدر معلوماتنا وصرنا نثق بهذا المصدر لأنه الوحيد الذي تحدث الينا في بداية الحدث. فالجهات الرسمية الاردنية لم تعلق مباشرة على الخبر، وعندما فعلت كانت أقوالها بمثابة رد على كلام الطحاوي. توضيح وتكذيب ومحاولة تقديم خبر مواز. ببساطة كان رد فعل وليس فعلاً. لذا تكرّست صورة الطحاوي كصاحب السبق الصحافي الاول من داخل سجن قفقفا. ولو كنا على شبكة الانترنت لقلنا أن السجينين"المراسلين"هما من ال"بلوغرز"، الذين يقتحمون الشبكة ويدلون بدلوهم ويبثون معلومة موازية للمعلومة"الرسمية". لكنهما سجينان ينتميان الى تنظيمات على علاقة ب"القاعدة"، استخدما وسيلة اعلامية غير افتراضية لبث أخبارهما. المعضلة قد لا تكون مطروحة على الوسيلة الاعلامية. فهي في النهاية يمكنها ألا ترفض اتصالاً يحمل أنباء ساخنة من موقع الحدث. لكن المعضلة هذه مطروحة علينا، نحن المشاهدين المتلقين لمعلومات لا نثق بصاحبها، لكننا نرى أنفسنا نصدقها ونتناقلها عنه!