تتجه أنظار عالم المال والاقتصاد اليوم إلى واشنطن حيث تصدر مقررات الاجتماع الدوري ل"مجلس الاحتياط الفيديرالي"المركزي الأميركي برئاسة الآن غرينسبان للمرة الأخيرة، كونه يتقاعد بعد تمضيته 18 سنة ? هي مدة"قياسية"- في منصبه. وترجح الأسواق ان مجلس الاحتياط سيرفع سعر الفائدة اليوم مقدار ربع نقطة مئوية إلى 4.5 في المئة، للمرة 14 على التوالي منذ حزيران يونيو 2004. كما من المقرر ان يوافق مجلس الشيوخ الأميركي اليوم على تعيين خبير اقتصادي آخر هو بن برنانكي خلفاً له على ان يمارس مهماته الجديدة بدءاً من 2 شباط فبراير المقبل، بعد ان رشحه الرئيس الأميركي جورج بوش لتولي هذا المنصب في تشرين الأول أكتوبر الماضي. ويمكن القول ان برنانكي يتسلم إرثاً غنياً لكن شاقاً، كونه يتولى منصباً دقيقاً وحساساً ليس فقط على الصعيد المحلي بل على الصعيد العالمي، ولأن السياسة النقدية تحديد أسعار الفائدة الأساس ل"مجلس الاحتياط الأميركي"هي الركيزة لحسن أداء معظم السياسات النقدية للمصارف المركزية والاقتصادات حول العالم، إضافة إلى كونها تحدد معيار التعامل مع التقلبات الاقتصادية. وهو يتشارك وغرينسبان، ليس فقط في الدين والجنسية كونه أميركياً يهودياً، بل أيضاً لأن الاثنين من حملة الدكتوراه في الاقتصاد. كما شغل برنانكي مركز"رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين"للرئيس الأميركي الحالي جورج بوش في حين شغل غرينسبان هذا المنصب في عهد الرئيس فورد، وكان عضواً في مجلس الاحتياط الفيديرالي. وتنتظر برنانكي تحديات اقتصادية ومالية عدّة، أهمها بحسب داو جونز، تفاقم العجز في الموازنة العامة الأميركية، الذي قد يتخطى 400 بليون دولار في السنة الحالية، في وقت يبدأ جيل ال"بيبي بومرز"الأميركيون الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية بسحب تعويضاتهم من نظام الضمان الاجتماعي بدءاً من 2008. كما ان اتباع مجلس الاحتياط سياسة نقدية مرنة ولجوء الحكومة إلى خفض معدلات الضرائب بعد أحداث أيلول 2001 بهدف تجنب الانكماش الاقتصادي، جعل سعر الفائدة الأساس ينخفض إلى أدنى مستوياته التاريخية بين 2001 و2004 إذ خُفض إلى 1 في المئة قبل ان يعود ليرفع تدريجاً، مؤدياً إلى حركة زائدة في الاستهلاك والسوق العقارية الأميركيين، ما فاقم العجز في الحساب الجاري الخارجي والميزان التجاري من المتوقع ان يتخطى 700 بليون دولار في 2005 الأميركيين. من هو غرينسبان؟ يعرف عن غرينسبان 80 سنة أنه صاحب تاريخ من الإنجازات الحافلة على الصعيد الشخصي والوطني ومحطم الرقم القياسي في أطول فترة رئاسة لمجلس الاحتياط، إذ تخطت ولايته 18 سنة. وهو عايش 4 رؤساء للولايات المتحدة ريغان، بوش، كلينتون، بوش الإبن منذ ان تولى منصبه للمرة الأولى في آب أغسطس 1987 في عهد الرئيس ريغان، وفقاً لمعلومات شخصية عنه متوافرة على موقع مجلس الاحتياط الفيديرالي. إضافة إلى ذلك، قطف أعلى درجات الشرف الأكاديمية والوطنية ليس فقط من الولاياتالمتحدة، إذ منحته فرنسا وسام الشرف الفرنسي من رتبة"كوماندور" في 2000، كما منحته الملكة إليزابيث وساماً ملكياً برتبة فارس في 2002 بفضل مساهماته في استقرار الاقتصاد الدولي قليلاً ما يمنح لغير الرعايا البريطانيين. وعرف الاقتصاد الأميركي في ظل ولاية غرينسبان فترات ازدهار عدّة، كما عبر مراحل من الخضات الخطيرة على أيامه كصدمة أسواق المال جراء أسهم التكنولوجيا في 2000 وتبعات أحداث 11 أيلول 2001. وعددت داو جونز إنجازاته مشيرة الى ان الناتج المحلي الأميركي كان بداية ولاية غرينسبان في 1987 لا يتخطى 6.5 تريليون دولار، في حين أنه أصبح نحو 11 تريليون دولار سنوياً، مسجلاً معدل نمو سنوياً بنحو 3 في المئة حالياًً. كما ان الأسعار الاستهلاكية الأساسية لا تشمل أسعار المواد الغذائية والطاقة ارتفعت بمعدل 2.9 في المئة سنوياً في السنوات ال18 الماضية، مقابل 6.4 في المئة سنوياً بين 1970 و1987. في حين تطورت إنتاجية الاقتصاد الأميركي من 1.7 في المئة سنوياً قبل 1987، إلى 2.2 في المئة طوال فترة ولايته. كما عرف عنه حسن إدارته لفترات الأزمات، لكن الأستاذ في جامعة كولومبيا شارل كالاموريس أشار الى ان"ضخ مزيد من السيولة النقدية في الأسواق كان مبالغاً به في بعض الأحيان، مثل مسألة تضخيم مشكلة نهاية الألفية الثانية في أنظمة الكومبيوتر Y2K. أخيراً، تجدر الإشارة إلى ان في حين تعيش غالبية الموظفين بعد التقاعد فترة من الراحة والخمول، يسعى غرينسبان بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أخيراً، إلى تأسيس شركة إستشارات تحمل اسم"غرينسبان وشركاء"في واشنطن، كما ينوي إلقاء المحاضرات وإصدار كتاب.