لم تخفف الادانات الواسعة إسلامياً لسلسلة تفجيرات استهدفت كنائس عراقية أول من أمس، من مخاوف الأقلية المسيحية، خصوصاً بعد ربطها بنشر رسوم مسيئة للنبي محمد ص في صحيفة دنماركية، ما يُبرز مدى عرضة أمنها للاهتزاز نتيجة أحداث دولية لا علاقة لها بها. وبسبب تنامي النفوذ الأصولي في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين العام 2003، يتعرض مسيحيو هذا البلد الى مضايقات بدأت بحملة منظمة لتهجيرهم في البصرةوكركوك والموصل، ومحاولة بعض الأطراف الاسلامية المتشددة فرض الحجاب على المسيحيات ومنع محال بيع الخمور، ما دفع غالبية الأسر المسيحية الى العودة الى سهل نينوى شرق الموصل الهادئ نسبياً بسبب خضوعه لسيطرة حكومة إقليم كردستان، أو الهجرة الى سورية والأردن. وكانت ست سيارات مفخخة وعبوة انفجرت قرب كنائس مسيحية في بغدادوكركوك، ما أدى الى مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح 18 آخرين. وتزامنت هذه الاعتداءات مع تقارير صحافية أكدت وقوع صدامات بين طلبة مسيحيين ومسلمين في جامعة الموصل، اثر نعت أبناء هذه الأقلية"بالصليبيين والكفرة والمحتلين". وقال رئيس الكنيسة الشرقية القديمة في كركوك المطران مار نرساي توما ل"الحياة"إن المسيحيين يأسفون لهذه التفجيرات ولا يريدون ربطها بالإسلام لأن"الإرهاب ليس الإسلام". وأضاف أن هذه الأعمال"ليست الوجه الحقيقي للمسلمين، ونحن متأكدون من ذلك. والدين الاسلامي اكبر وأعظم من ذلك". وزاد أن"المسلمين في العراق يريدون محو صورة الإرهاب عن دينهم ونثمن وندعم ذلك، ولن ننجر الى اعتقاد آخر". وأكد أن كركوك لا تشهد توترات بين العراقيين، وجميع أحياء المدينة"متآخية". وقال:"أعيش في حي العرفة منذ 35 عاماً وجيراني سنة وشيعة وأكراد وتركمان، ونتبادل التهاني ونطمئن على بعضنا بعضاً دائماً. وهذا الأمر حصل أمس اثر تفجير الكنائس". ورفض رئيس أساقفة العراق المطران عمانوئيل دلي اتهام أي جهة بالاعتداءات، مستنكراً محاولة ربطها بما حصل في الدنمارك. وقال في بيان إن"الشخصيات المسلمة التي دانت تفجييرات الكنائس أكثر من المسيحيين أنفسهم وهذا أمر يُسر الطرفين، ويحول دون وصول أعداء العراق الى هدفهم وهو التفرقة والانقسام". وناشد الفاتيكان إصدار بيان إدانة لما حصل من إساءة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. واعتبرت"الحركة الديموقراطية الآشورية"أبرز الأحزاب المسيحية أن المسيحيين جزء لا يتجزأ من طوائف العراق التي ترغب في العيش في أمان وازدهار. وقال الناطق باسم الحركة وليم وردا ل"الحياة"إن"استهداف الكنائس هو رد فعل لممارسات خاطئة من مسيحيين، ولا نعلم إن كانوا مسيحيين أم لا، في الدنمارك". وأضاف متسائلاً:"ما ذنب المسيحي اذا كان أخوه في الدين مسيئاً تماماً، مثلما نقول ما ذنب المسلم اذا كان المسلم الآخر مسيئاً". وتابع أن"المسيحيين في العراق لهم تاريخهم ونضالهم وأعمالهم الخيرة. وهم استنكروا الإساءة الى الاسلام احتراماً للمؤمنين من أتباعه، وتهمهم وطنيتهم أكثر من مواقف المسيحيين الأجانب". وقال القيادي في"الحزب الوطني الآشوري"عمانوؤيل خوشابا ل"الحياة"إن تفجيرات أمس زادت المخاطر المسيحية أضعافاً لأن الجهات التي استهدفت الكنائس تحاول ربط الإنسان بدينه فقط بعيداً عن القومية والعرق، ورفعت مستوى الصراع الى قتال بين المسلمين وغير المسلمين عبر تدويل جميع القضايا". ورأى أن"المجال مفتوح في العراق لأي رد فعل مثلما حدث إبان تفجيرات الكنائس العام الماضي مرتين الأولى عندما أساء جنود أميركيون للقرآن في معتقل غوانتانامو، والثانية عند التوتر بين الأقباط والمسلمين في مصر". وعلى الصعيد الاسلامي، ندد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد أشرف قاضي بالاعتداءات التي استهدفت الكنائس في العراق. كما دان الناطق باسم"جبهة التوافق العراقية"سني ظافر العاني هذه التفجيرات، لافتاً الى أنها"لو كانت بمنزلة رسالة موجهة إلى المسيحيين في خصوص الإساءة إلى النبي محمد ص، فإنها خاطئة لأنها تعمل لتشويه صورة الإسلام". واستنكرت"هيئة علماء المسلمين"اعتداءات الكنائس متهمة الجهات المنفذة، باستهداف وحدة العراق أرضاً وشعباً. وقالت الهيئة في بيان تسلمت"الحياة"نسخة منه"ان هذه الأعمال الاجرامية تؤكد خطأ من كان يظن أن هذا هو الرد المناسب على ما ارتكبته الصحافة الدنماركية من اساءة في حق رسولنا الكريم محمد ص". ودانت منظمة"بدر"التابعة ل"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق"التفجيرات، معتبرة أنها تأتي في الحلقة ذاتها"لاستهداف للمواطنين الأبرياء في الحسينيات والمساجد". وطالب التيار الخالصي بالحذر والتصدي لهذه الأعمال الإجرامية ضد أبناء الشعب. ودان حازم الأعرجي القيادي في التيار الصدري استهداف دور العبادة، قائلاً:"لا توجد أي علاقة بين الاهانة التي وجهت الى شخص الرسول الكريم محمد ص... وتفجيرات الكنائس لأن هذه أعمال اجرامية تطال أبناء الشعب العراقي". وتشكل الأقلية المسيحية الدينية في العراق ثلاثة في المئة من مجموع السكان، أي 900 ألف من أصل 29 مليون عراقي.