فجّرت ذيول المشادات الكلامية التي شهدتها قمة الخرطوم العربية بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة فؤاد السنيورة جلسة مجلس الوزراء قبيل عقدها عصر امس برئاسة الأول، بعدما كان المجلس النيابي شهد نهاراً، هجوماً مفاجئاً وعنيفاً من رئيسه نبيه بري على السنيورة، اعتبرته مصادر الأخير مهيناً لموقع رئاسة الحكومة، بعدما كان الرئيس لحود صرخ بوجه السنيورة في الخرطوم اثناء السجال معه حول الفقرة المتعلقة بالمقاومة في البيان الختامي للقمة العربية. ورد وزراء الأكثرية على هذه التطورات بالانسحاب من جلسة مجلس الوزراء بسبب حضور لحود وترؤسه إياها وتخلل ذلك شتائم واتهامات وصراخ. وبلغ الانقسام السياسي في البلاد ذروة لم يسبق ان بلغته، بين فريق يضم لحود و"حزب الله"وحركة"أمل"من جهة وفريق تحالف قوى 14 آذار الذي يمثل الأكثرية من جهة ثانية، فيما اكتفت كتلة"التغيير والإصلاح"بزعامة العماد ميشال عون بالدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة. راجع ص 6 و7 وسبق هذه التطورات الدراماتيكية ورافقتها تطورات ومواقف من كل صوب زاد بعضها من تعقيد الأزمة التي نشبت مساء امس. اذ وصف الرئيس بري موقف السنيورة في الخرطوم بأنه خطيئة، وخاطبه قائلاً بحدة:"لا يحق لك تعديل البيان الوزاري... ورفع الجلسة من دون ان يسمح له بالرد... بعد ان كان رئيس الحكومة أشار الى ان وزير الخارجية نقل إليه مشروع قرار القمة العربية مجتزأ. في هذا الوقت، اجتمعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في باريس على مدى ساعة ونصف الساعة مساء امس. وقالت مصادر مطلعة ان الجانبين بحثا الأزمة مع إيران والوضع بين لبنان وسورية، وأنهما اتفقا على استمرارية مواقفهما التقليدية والمعروفة في شأن هاتين الأزمتين. وأكدت المصادر ترافق باريس وواشنطن على التحركات القائمة في هذا الصدد. كما استقبل الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي وضعه في صورة الاتصالات السعودية - السورية المكلفة بلبنان. وعلمت"الحياة"من مصدر مطلع ان الوزير السعودي أبلغ شيراك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز تحدث بصراحة وحزم مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عندما زار الرياض، طالباً من دمشق ان تبادر الى تطبيع العلاقات مع لبنان وان توافق على ترسيم الحدود وتثبيت لبنانية مزارع شبعا، وان تساعد في قضية الرئاسة اللبنانية. وكان لافتاً امس اجتماع زعيم كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري مع الرئيس المصري حسني مبارك. وقال الحريري ان مشكلة الرئاسة اللبنانية ستُحل قريباً. وفي عودة الى المشادة في جلسة مجلس الوزراء، طلب وزير الاتصالات مروان حمادة في مستهل الجلسة الكلام في النظام وكان بعض مصوري التلفزيون والصحف ما زالوا في القاعة. وقال:"انسجاماً مع مذكرة الغالبية النيابية والوزارية التي اعترضت على كيفية تمثيل لبنان في مؤتمر الخرطوم كما تم، واحتجاجاً على طريقة التعامل مع رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة في القمة العربية والمزايدة عليه نعلن انسحابنا من الجلسة". فرد لحود:"أنت لا يحق لك ان تتكلم في حضور المصورين"، لكن حمادة واصل كلامه فصرخ لحود بوجهه:"اقعد. تريد ان تعمل منها قصة وأفلامك معروفة". وصرخ مرات عدة في وجه حمادة مطالباً إياه بالجلوس، وأجاب حمادة:"على كل حال نحن ننسحب من هذه الجلسة". فكرر لحود مخاطباً حمادة:"أنت عم بتمثل". وكان الحرس الجمهوري يخرج المصورين من القاعة. وتدخل الوزير احمد فتفت قائلاً:"أن الممثل المصري عادل امام هو الذي يعرف من يمثل في لبنان"، فرد لحود:"أنت يا فتفت بدي فتفتك اريد ان افتتك"، وأجاب الأخير:"أنت فتفتّ البلد". وحصل هرج ومرج وصراخ، ورد لحود بالقول:"أنتم بدكم تخربوا البلد". وكان جواب عدد من الوزراء المنتمين الى الغالبية:"أنت وحدك الذي خرب البلد". ثم خرج وزراء الأكثرية وتوجهوا مشياً على الأقدام الى أحد المقاهي المجاورة للمقر الموقت لمجلس الوزراء في وسط بيروت. ثم عادوا الى مقر المجلس حيث كان السنيورة لا يزال موجوداً فيه، بعد أن اجروا اتصالات شملت رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس"كتلة المستقبل"النيابية سعد الحريري ورئيس المجلس الأعلى لحزب"الكتائب"الرئيس امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع. ولدى اقتراب الوزير فتفت من المبنى الذي يقع فيه المقر الموقت لمجلس الوزراء، قال له عدد من الصحافيين ان مصادر في بعبدا نفت ما ذكرته حول السجال الذي دار بينك ورئيس الجمهورية، فأجاب:"هناك شهود على كلامه الذي يحمل تهديداً مباشراً لي". وأضاف بانفعال وصوت مرتفع:"على كل حال كلفت زميلي في الحكومة وزير الصناعة بيار الجميل أن يقيم دعوى على رئيس الجمهورية بتهمة التهديد وأظن انها ستقدم قريباً الى القضاء اللبناني المختص". ولفت فتفت الى انه اتصل بلجنة التحقيق الدولية فور خروجه من القاعة وأبلغ المسؤولين فيها بأنه تلقى تهديداً مباشراً من لحود. ولدى مغادرته المقر الموقت لمجلس الوزراء قال لحود:"ما حصل معيب لأننا أتينا الى الجلسة بهدف تسيير أمور المواطنين والنظر في قضايا تهمهم، وبدل ان يهتم بعض الوزراء بحاجات المواطنين كان همهم أنفسهم. ففي بداية الجلسة وعند دخول المصورين لالتقاط الصور لا يدلي عادة أحد بمواقف أو تصريحات. غير ان وزراء الأكثرية الوهمية كانوا متفقين على تعطيل الجلسة على أساس ان يتكلم أحدهم ويلقي كلمة ثم يخرجوا من الجلسة. إلا انه حسب النظام لا يمكنهم الكلام قبل بدء الجلسة فقلت لهم ان هذا غير مسموح فلا تعطلوا الجلسة لأن الناس تنتظر منا ان نبت بهمومها بدءاً من ضمان الشيخوخة الى وسيط الجمهورية الذي يوقف الفساد". أضاف:"يبدو أنه لا يهمهم، بدلوا أولوياتهم، ولم يعودوا يسألون عن الحقيقة يريدون رأس المقاومة ويريدون وضع اليد على لبنان. ليسمحوا لنا هذه الأكثرية الوهمية لن تستطيع ان تفعل شيئاً معنا لأن ما من قوة أقوى من قوة الحق الذي له الغلبة دائماً"، وعن صحة تهديده الوزير فتفت وأنه قال له سأفتفتك، أجاب:"الشغل الشاغل للوزير احمد فتفت هو ان يكون في طليعة من يشتم الناس وقد بدأ يشتم قبل أن يغادر الجلسة وما قلت له هو الجواب الذي هو معتاد عليه". ووصف ما حصل في الجلسة بالقول:"حاولوا افتعال سيناريو وتمثيلية كي يظهر ان لديهم الأكثرية، بينما نحن جئنا للاهتمام بالناس، ماذا كانت النتيجة، لذلك قلنا لهم البادئ اظلم، هناك مصير بلد لا تفرطوا به، خصوصاً اننا عائدون من قمة تضامنت معنا بالإجماع. وبدل ان يتجاوبوا ويتضامنوا ظهر ان العرب اهتموا بلبنان اكثر من بعض الذين كانوا هنا". وبعد ان اجتمع السنيورة الى وزراء حركة"أمل"و"حزب الله"في قاعة جانبية في مقر مجلس الوزراء خرج وقال:"موقفي لم يتغير شعرة واحدة من تقديري واعتزازي بالمقاومة على إنجازاتها وعلى الدور الذي حققته في التحرير وأنا لم أخرج عن البيان الوزاري بل ما أردت ان أزيد عليه هو أن أجعل المقاومة شأناً لبنانياً"، لأن حق الشعب اللبناني في المقاومة ليس محصوراً بمجموعة فقط وأن واجب الدولة هو حماية لبنان، هذه المبادئ التي ارتكزت عليها وهي التي أملت عليّ هذا التصرف". وسئل ولكن اليوم كأنك ضد المقاومة وضد لبنان؟ فأجاب:"انا حريص على لبنان وعلى حق اللبنانيين بالمقاومة، وعلى نجاح الحوار، نحن لا نريد أن نستبق الحوار ولا ان نقفز عليه ولا أن ننتهزها مناسبة لتحقيق مكاسب". ورداً على سؤال قال:"ما حصل اليوم هو قرار أخذه بعض الوزراء احتجاجاً على ما جرى واحتجاجاً على الطريقة التي جرت فيها الأمور في مجلس النواب. وأعتقد ان هذا الأمر اليوم يجب ان يكون رسالة للجميع بأنه في النهاية يجب ان نتفاهم بالحوار ويتفهم كل طرف الآخر وبإدراك ان ما من أحد اكثر وطنية من الآخر". ورفض الرد على وصف لحود الأكثرية بأنها وهمية. لكنه رفض قول لحود ان هناك استغلالاً لدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري معتبراً انه كلام معيب. ورداً على الأسئلة العديدة حول إمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء ومصير الحكومة كرر السنيورة الدعوة الى الهدوء. أضاف السنيورة:"هذه المرة أرادوا النيل من الرئيس السنيورة، وكل واحد أدلى بتصريحات يجب ان يعود الى ذاته، فالبعض استعجل في اخذ المواقف". ودعا الى"التصرف بحكمة وبما تمليه مصلحة البلد وبالتالي عدم محاولة تسجيل الكرة كلُّ في ملعب الآخر". ورداً على سؤال عما اذا كان البلد منقسماً بين تيار ايراني - سوري وبين تيار آخر قال:"الآن فهمتم لماذا أنا حريص على ان تكون المقاومة مقاومة اللبنانيين. وأنا أسعى لوضع المقاومة في خانة جميع اللبنانيين". اما الوزير مروان حمادة فقال:"احتجاجاً على ما حصل في مجلس النواب وتأكيداً على ان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، ولا إلى الهيمنة السورية ولا الى تسلط الأقلية على الأكثرية انسحبنا من الجلسة. وهذه الأكثرية باقية ولا نقبل ان يصنف اللبنانيون بين مقاوم وغير مقاوم. وكل لبناني كان له قسط أساسي في تحرير هذا البلد ولا يزال يتحمل مسؤولية في استكمال التحرير". وعلقت مصادر نيابية قريبة من بري على ما حصل مستبعدة ان يؤثر على الحوار لأن وقفه يستتبع رد فعل محلياً وعربياً ودولياً لا يستطيع أحد تحمله. لكنها اعترفت ان الحوار اخذ يراوح مكانه وبات يحتاج الى تحرك عربي في اتجاه سورية. وأصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بياناً مساء اتهم فيه الأكثرية الوزارية بتعطيل مؤسسة مجلس الوزراء عن سابق تصور وتصميم لافتعال أزمة لا مبرر لها. واعتبرت الرئاسة ما حصل بأنه فصل من فصول المؤامرة. وذكرت الرئاسة ان ما عناه لحود في كلامه الى الوزير فتفت بعد العبارات النابية التي أطلقها في حق رئيس الجمهورية هو تشبيه سياسي طبقاً لاسم الوزير بمعنى إعادته الى حجمه الطبيعي، واعتبر ما قام به فتفت والآخرون بأنه"تمثيليات".
