أصبح من المؤكد سيطرة عالم التكنولوجيا والتقنيات على عالمنا اليوم، إذ بات من شبه المستحيل إيجاد مجال أو قطاع لم تتم مكننته وعلى الأقل أرشفة معلوماته ووثائقه على أجهزة الكومبيوتر. فقد أصبح هذا الأخير عنصراً ضرورياً بل أساسياً في عمل المؤسسات والشركات على اختلاف انواعها، وكذلك في حياة الفرد الشخصية والعملية بعد أن حل مكان الذاكرة والورق والملفات والأقلام. وأصبح في الإمكان القول أنه إذا أردت تخريب أمة والمساهمة في ضياعها، إعبث في أجهزتها الإلكترونية! استغلال سلبي قد لا يكون الأمر في هذه الصورة السهلة في عالم التقنيات الإلكترونية المتطورة، ومقابل التقدم الإيجابي للتكنولوجيا الرقمية، وخصوصاً في مجال الإنترنت، ظهر استغلال تكنولوجي سلبي يهدد نظام الشبكات الدولية للكومبيوتر، اضافة إلى الحواسيب ومستخدميها. ربما ابتدأ أمر الفيروسات منذ عشرين عاماً، لكنها تكاثرت في الفترة الأخيرة، خصوصاً تلك الانواع التي تُهدد المعلومات المُخَزّنَة وتعيث فساداً في برامج الكومبيوتر، بمجرد دخولها اليه. فهل يكمن تخيّل ما تكونه حال مصارف وشركات اقتصادية وبورصات قود أُلغيَ أرشفيها وضُربت ذاكرتها، كما حصل أخيراً، ولفترة وجيزة، في بورصة اليابان، ولو ان تلك الضربة اليابانية لم تحصل بفعل الفيروسات وإنما بأثر الضغط غير الاعتيادي على النظام الإلكتروني للبورصة؟ هل يمكن تخيّل مؤسسات حكومية من دون ملفات وأرشيف، أي حكومة بلا ذاكرة تقريباً؟ الارجح ان فكرة"الفيروس الإلكتروني"تثير خوفاً كبيراً عند معظم مستخدمي الكومبيوتر. ولأنها ليست مجرد فكرة عبثية، انغمس الجمهور الإلكتروني بتحصين أجهزته ومعلوماته قدر الإمكان. وفي هذا السياق، يفيد الزميل بلال خبيّز، المُحرّر في الملحق الثقافي لجريدة"النهار":" لقد مررت بهذه التجربة وعانيت منها، لذا أقوم دائماً بتخزين المعلومات جانباً على أقراص مغناطيسية، خوفاً من فقدانها بالفيروس. وكذلك أُجهّز الكومبيوتر ببرامج الحماية اللازمة، إن استطعت الحصول عليها". من جهته يؤكد د. أحمد زين الدين، خطورة الأمر على مستويين:"إضافة إلى مشكلة فقدان المعلومات والأرشيف، هنالك مشكلة أُخرى تتمثّل في تعذر إيجاد برامج الحماية اللازمة أي تلك التي تتناسب مع التجدد الدائم في تركيب الفيروسات وانواعها وطرق عملها، وشرائها". ويشير أيضاً إلى"اللعبة الخفيّة"التي يرى ان الشركات المصنعة لهذه الفيروسات تدير خطوطها بدهاء:"هناك مخربون هادفون إذ يوجدون لأنفسهم سمعة جديدة في قدرتهم على مواجهة خطر الفيروس فلا يمنع من أن تكون الشركات المصنعة لبرامج الحماية هي نفسها التي تصنع الفيروس". وعلى ما يبدو، ثمة قناعة كبيرة في أذهان مستخدمي الكومبيوتر بأن أمر الفيروسات يتضمن لعبة تجارية محضة تستهدف تسويق برامج جديدة مثل برامج الحماية بغية تحصيل المال والأرباح. وفي هذا الاطار، يقول وائل شمس مهندس ومبرمج صناعي:"كنت أظن أن الفيروس عمل شر إلى ان أصبحت عندي قناعة بأنه أُسلوب تجاري لشراء برامج معينة". ويدعم مصطفى طه طالب حقوق هذا الرأي، مُشدداً على ان قصة الفيروسات الالكترونية تتضمن خدعة مبتكرة من شركات تصنيع برامج المعلوماتية. وفي المقابل، أشار وائل ومصطفى الى الخطر الذي تحمله الفيروسات لاعمالهم. وعبر فريد قمر علاقات عامة عن مخاوف مُشابهة:"أخاف لأن كل الأعمال أصبحت تنجز على الكومبيوتر، فقد تحصل مصيبة إذا أُتلف الأرشيف مثلاً". ولكن الزميل محمد بركات، لم يعط الموضوع أهمية في ظل وجود برامج الحماية:"الأمر لا يعني لي شيئاً لأني أُخزّن المعلومات المهمة في أدوات أُخرى دائماً... وإذا ضربني فيروس ما، أطلب المساعدة من أخصائي وينتهي الموضوع".