من بين ستة بلايين شخص يعيشون على الكرة الارضية هناك ثلاثة بلايين في طريقهم نحو السمنة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من مضاعفات آنية ومستقبلية لها انعكاسات سلبية على الحياة، أهمها"قصف"الاعمار. إن العوامل المتورطة في أزمة السمنة متنوعة ومتشعبة، منها الوراثية، ومنها المرضية، ومنها الغدية، ومنها النفسية، ومنها البيئية، وهذه الأخيرة مسؤولة عن الكثير من حالات البدانة. فإنسان اليوم يعيش حياة الخمول والكسل، ويأكل ما هب ودب من صنوف الطعام الغنية بالدهنيات والسكريات، واذا أكل فليس لإسكات الجوع بل للمتعة والتسلية، فالطعام لديه أصبح وسيلة إمتاع لا إشباع. ومشكلة المشكلات في السمنة أنها لا تذهب بسهولة، فعندما تحل على صاحبها تصبح كاللزقة الافرنجية، لا يمكن الخلاص منها الا بألف مشقة، وان ذهبت فإنها غالباً ما تعود بمجرد ان يختل توازن الشهية. إن انقاص الوزن ليس بالمشوار السهل، فهو محفوف بالمطبات والإغراءات التي تعرقل عملية التنحيف التي تحتاج الى ارادة قوية، واجراءات صارمة للوصول الى الوزن الصحي. والوزن الصحي ليس شرطاً ان يكون هو الوزن المثالي حاصل تقسيم الوزن بالكيلوغرام على الطول بالأمتار المربعة، بل هو الوزن الذي يكون قريباً منه، أو بشكل أدق، الوزن الذي يشعر فيه الشخص بأنه في صحة جيدة بعيداً عن مشكلات البدانة وما أكثرها، مثل الموت المبكر، وارتفاع الضغط الشرياني، وداء السكر، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض المفاصل، وأوجاع الظهر، ناهيك عن امراض المرارة والمشكلات النفسية، والسرطانات. إن علاج السمنة يقوم في الدرجة الاولى على نظام غذائي فقير بالسعرات الحرارية، مدعوم بالرياضة واجراءات طارئة في نمط الحياة، أما الادوية المخسسة والوسائل الاخرى الجراحية فيتم اللجوء اليها عندما يفشل الريجيم الغذائي في تحقيق المطلوب. ومن الأدوية المخسسة هناك العقاقير القامعة للشهية التي تمارس عملها على المخ مباشرة، ولكن سرعان ما تبين ان لهذه الادوية مضاعفات خطيرة، خصوصاً على القلب والجهاز العصبي، فنم فسُحب معظمها من الاسواق، غير ان بعضاً منها ما زال يوصف مثل دواء ريداكتيل، ومثل هذه العقاقير محظورة قطعاً على المصابين بارتفاع ضغط الدم وبعض الامراض القلبية. وبعد ظهور الادوية القامعة للشهية، ظهرت الادوية التي تحد من امتصاص الادهان من الامعاء، وميزتها انها تعمل موضعياً، أي على الامعاء فقط، وبالتالي ليس لها المضاعفات التي نراها في الادوية الكابحة للشهية وطبعاً هناك بعض الآثار الجانبية للادوية التي تحد من امتصاص الشحوم، وهذه تبدو جلية عند تناول أغذية غنية بالدهن، سواء أكانت هذه مرئية زيت، زبدة، قشطة... أو غير مرئية مثل الصلصات، المقالي والحلويات... نصل الآن الى بيت القصيد، وهو الجراحة لمكافحة البدانة، فقد شهدت السنوات الاخيرة انتشاراً قارب حد الهوس لعمليات تصغير المعدة، فماذا عن هذه العمليات؟ ان الهدف من عمليات تصغير المعدة هو الحد من قدرتها على استيعاب كميات أكثر من الطعام، وتتم هذه العملية بوضع حزام مصنوع من مادة بلاستيك لا تتفاعل مع الجسم حول الجزء العلوي للمعدة، بحيث يتم تكوين جيب صغير هو الذي يتلقى الطعام والشراب القادمين من المريء، وهذا ما يجبر المرء على الشبع السريع، وبالتالي التهام قدر يسير من الأكل مما سيقود الى انقاص الوزن حتماً. ويوضع الحزام حول المعدة بواسطة المنظار الجراحي، وهذا الحزام متغير، اذ يمكن توسيعه وتضييقه بحسب الحاجة، كما يمكن للطبيب رفع الحزام اذا دعت الضرورة. لقد دلت التحريات الى ان ربط المعدة يسمح للمريض بالخلاص من قسم كبير من الكيلوغرامات الزائدة، ويفيد في تصحيح صورة الكولسترول في الدم، وفي اعادة ارقام الضغط الشرياني الى حدودها الطبيعية، وفي اصلاح داء السكر الكهلي، وفي ابعاد خطر امراض القلب، وفي التخفيف من وطأة الشخير، وفي التخلص من الكرش، وفي ذهاب وجع المفاصل وغيرها من المشكلات التي تتركها السمنة على اصحابها. بقي ان نعرج على عدد من النقاط المهمة المتعلقة بهذه العملية: ان عملية تصغير المعدة موجهة لأولئك الذين يعانون من سمنة مفرطة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، ولم تفلح معهم السبل الاخرى غير الجراحية لانقاص الوزن. ولا يجوز اللجوء الى هذه العملية في حال السمنة البسيطة. على المريض الراغب باجراء عملية تصغير المعدة ان يعلم ان هذه العملية لها ما لها وعليها ما عليها، وألا يتردد في طرح أي سؤال يتعلق بكيفية اجراء الجراحة وفوائدها ومضاعفاتها، وحبذا لو اجتمع المصاب مع مرضى آخرين للاستفسار منهم عن الجراحة وما يسبقها وما يليها. ان الجراحة لا تجرى الا بعد القيام بفحوصات شاملة خصوصاً تنظير المعدة للتأكد من سلامتها وخلوها من المتاعب الصحية. على كل مصاب خضع لعملية تصغير المعدة ان يلتزم تناول 3 وجبات يومياً، والتقنين جداً من"النقرشة"، وعدم التهام الطعام بسرعة، بل مضغه ببطء وفي جو هادئ بعيد من التوتر والقلق. ان الحزام المستعمل في العملية هو عادة لمدى الحياة، لأن سحبه قد يؤدي الى الوقوع في مطب السمنة مجدداً، من هنا أهمية ان يخضع المريض للمتابعة الصارمة من جانب الجراح واحد المتخصصين في التغذية، لأن نقص الفيتامينات والمعادن وارد ومن الضروري علاجه في حينه. هناك بعض المضاعفات لعملية تصغير المعدة، منها: - انثقاب المعدة او المريء، وهذا نادر جداً لكنه وارد. - توسّع شديد في الجيب المعدي الذي شكّل بالحزام. ان هذا الاختلاط نادر ايضاً، الا ان المشروبات الغازية قد تساعد على نشوئه، لذا يجب الامتناع عنها كلياً. - التقيوءات، وهي شائعة الحدوث، ومن المهم تفاديها قدر المستطاع، لأنها قد تقف وراء حدوث حروق في المريء، او الى انزلاق الحزام من موقعه، وهذا ما يتطلب اجراء جراحة عاجلة لاسترداد الحزام. - الاصابة بتوسع في المريء بعد مرور سنوات على وضع الحزام، وهذا ما يحوّل المريء الى مخزن للطعام أي الى معدة ثانية، وهنا فإن حاسة الشبع تختفي ويبدأ المصاب بالتهام ما هب ودب من الطعام، وبالتالي يزداد الوزن مجدداً، ان الوقاية من هذا الاختلاط تتم بشرب جرعات قليلة من السوائل وأكل كميات قليلة من الغذاء. - الاصابة بالارهاق والاغماء وهذا الاخير يقال ان نقص السكر هو المحرك الاساسي له. - التعرض لخطر نشوء الحصيات في المرارة. ان عملية تقليص المعدة قد تفشل في بلوغ الهدف المرجو منها، أي في تخسيس الوزن، وهنا من المفضل سحب الحزام نهائياً والعمل على ايجاد حلول اخرى. في المختصر المفيد، ان تصغير المعدة ليس حلاً سحرياً لفرط الوزن، الا انه وسيلة جيدة لانقاص الوزن شرط ان يبدل الخاضعون لها اسلوب حياتهم، اضافة الى الكثير من التضحيات في العادات والمأكل والمشرب.