يجوب كبار المسؤولين في مؤسسة سيتي غروب الأميركية أرجاء المنطقة العربية هذه الأيام لاستقطاب الأثرياء العرب الذين تعاظمت ثروتهم أخيراً بفعل الارتفاع القياسي لأسعار النفط والنشاط غير المسبوق في أسواق العقار والأسهم. وكشف هؤلاء المسؤولون خلال ورشة عمل نظمها المصرف في دبي أمس بعنوان"آفاق الاستثمار وفرصه في عام 2006"، ان سيتي غروب تدير ثروات عربية لا تقل عن 10 بلايين دولار. ويبدو ان المسؤولين في اكبر مؤسسة مالية أميركية يعتمدون في حملتهم هذه على تلاشي تداعيات هجمات 11 أيلول سبتمبر التي نتج عنها سحب الكثير من العرب أموالهم من المصارف الأميركية على خلفية تجميد الكثير من الحسابات التابعة لعرب ومسلمين. وأشار هؤلاء إلى انهم يستهدفون استقطاب عدد اكبر من المستثمرين الذين لا تقل ثروتهم عن 10 ملايين دولار أميركي، من بينهم بعض الشخصيات الواردة أسماؤهم على قائمة فوربس العالمية. وقال المدير العام التنفيذي ورئيس قطاع سيتي غروب العالمي لإدارة الثروات في منطقة الشرق الأوسط أكبر شاه، ان"خبراء مصرف سيتي غروب للخدمات الخاصة يعمدون في شكل دائم إلى دراسة المعطيات الاقتصادية والمالية للأسواق العالمية. ويقومون بتقديم آرائهم ومقترحاتهم في ضوء تلك المعطيات الى العملاء في منطقة الشرق الأوسط مرة كل ستة أشهر". ويعتمد المصرف في إدارة ثروات الأغنياء على تقديم خدمات استثمارية في مجال إدارة الأصول وصناديق التحوط والملكية الخاصة وتحويل العملات والقطاع العقاري والسلع والمنتجات المحددة وغيرها. ويتسلح الخبراء الاقتصاديون في سيتي غروب بخمسة اتجاهات استثمارية محتملة حول العالم خلال عام 2006، لاستقطاب عملاء جدد من المنطقة وغيرها، على اعتبار ان هذه الاتجاهات تساعدهم على"تشكيل محافظهم الاستثمارية واتخاذ القرارات الاستثمارية المناسبة لهم للعام الجاري والأعوام التالية". ومن بين أهم الاتجاهات الاستثمارية التي ركز عليها المسؤولون في المصرف خلال ورشة العمل، هي تنامي مستويات عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح من قبل شركات ومؤسسات تملك قدراً كبيراً من السيولة النقدية، واستمرار الارتفاع الملحوظ في أسعار سلع معينة كمصادر الطاقة على وجه التحديد، واستمرار نهج الإصلاح المالي والاقتصادي وعمليات تحرير الأسواق في كل من اليابان وأوروبا. وقال المسؤولون في المصرف ان العام الجاري سيشهد زيادة الاعتماد على التسهيلات الائتمانية بسبب نقص في السيولة النقدية عالمياً، علماً ان الأعوام القليلة الماضية شهدت وفرة في السيولة النقدية نتيجة عدة عوامل من بينها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وعمليات إصلاح ميزانيات الشركات والمؤسسات الأميركية، وقيام البنوك المركزية الآسيوية بشراء الدولارات الأميركية فضلاً عن ارتفاع العوائد النفطية. ومن هذا المنطلق، يتوقع هؤلاء أن تسهم مجموعة من العوامل في انخفاض معدلات السيولة خلال عام 2006. حيث تظهر المؤشرات استمرار البنك المركزي الأميركي في تشديد قبضته على نسب الفائدة في عام 2006، ويبدو كذلك بأن البنك المركزي الأوروبي سيتبع النهج ذاته. كما يعزز هذه التوقعات قيام الصين بتحرير عملتها مقابل الدولار وبالتالي انخفاض الطلب على الدولار من جانب المصارف الآسيوية. وفي الوقت الذي ستتشكل فيه قيود مالية أكثر حزماً والاتجاه نحو تحديد عمليات الإقراض، تبدو الساحة مهيأة تماماً لعملية إعادة تسعير محتملة للتسهيلات الائتمانية وإعادة تقويم المخاطر التي تنطوي عليها إلى جانب مراجعة مستوى جودتها. كما تنبأ المصرف بارتفاع في أسعار السلع، على رأسها قطاع الطاقة والنفط نتيجة لارتفاع الطلب ومستويات العرض المحدودة، وذلك اعتماداً على"النمو الهائل والسريع الذي تشهده اقتصادات الدول النامية مثل الصين والهند وحاجتهما المستمرة للمواد الخام ومصادر الطاقة وسلع أخرى، التي تعتبر عوامل محفزة لارتفاع أسعار السلع حول العالم". وأشار شاه إلى"ان زيادة الاستثمارات في قطاعات البنى التحتية اللوجستية وظهور أساليب وتقنيات جديدة لاستخراج النفط ستستغرق وقتاً قبل أن تؤثر في مستويات العرض والطلب مما يحافظ على الارتفاع الذي تشهده الأسعار العالمية". أما الاتجاه الآخر في الاقتصاد العالمي خلال عام 2006، فهو تحرير الأسواق في أوروبا واليابان، وذلك"بعد مرور ما يزيد عن عقد كامل من الركود الاقتصادي الذي أصاب ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بدأت اقتصادات أوروبا واليابان باستعادة عافيتهما، ما يبشر بظهور فرص استثمارية إضافية". وقال شاه أن ما شهده القطاع المصرفي الياباني من إعادة هيكلة وتنظيم قد أثمر تحقيق نمو إيجابي في القروض على مدى عامين، وشكل نقطة انطلاق لإعادة ضخ الاستثمارات والأصول في هذا البلد. أما في القارة الأوروبية، فإن ما تشهده بلدان مثل ألمانيا من تعديلات تشريعية وخفض الضرائب هي عوامل ستؤدي، في رأي المسؤولين في سيتي غروب إلى خلق فرص استثمارية أكثر جاذبية. وتوقع شاه ان تشهد كثير من البلدان حول العالم، وعلى رأسها اليابانوألمانياوالولاياتالمتحدة الأميركية، زيادة ملحوظة في متوسط عمر مواطنيها، الأمر الذي يتسبب في زيادة الاستثمار وتغير الأنماط الاستهلاكية. فعلى سبيل المثال، عندما يتقاعد المستثمرون فإنهم عادة ما يتبنون نهجاً أكثر حرصاً عند تقويم مخاطر استثماراتهم ليتحولوا بالتالي إلى استثمارات قائمة على نسبة العوائد المتوقعة وذلك لضمان مصدر دخل ثابت ومضمون ما يجعل من عمليات الاستثمار في أسهم عالية المردود أمراً في غاية الجاذبية. أما الاتجاه الخامس، فهو استمرار الشركات التي تتمتع بسيولة نقدية عالية بممارسة عمليات الاندماج والتملك وإعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح المتصاعدة، بعد الركود الذي أصاب أسواق الأسهم العالمية في عام 2000. وتوقع خبراء سيتي غروب أن يظهر جيل جديد من حاملي الأسهم الذين سيعمدون إلى تشجيع ودفع الشركات في الولاياتالمتحدة الأميركية ومناطق أخرى من العالم إلى رفع أسعار الأسهم من خلال اتباع أساليب عدة منها الاعتماد على عمليات إعادة شراء الأسهم وزيادة العوائد على الأسهم.