أسجل تأييدي كل ما ورد على لسان السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، في المقابلة مع الزميل غسان شربل التي نشرتها"الحياة"على حلقتين وأزيد: قرأت المقابلة في الصباح ثم ذهبت لرؤية الصديق عبدالإله الخطيب، وزير خارجية الأردن، ووجدت انه رأى المقابلة ايضاً، ولاحظت في الحديث معه انه ركز كثيراً على الحوار بين اللبنانيين أنفسهم، وبين لبنان وسورية، وبين دول المنطقة. والحوار كلمة لبنانية مفضلة، خصوصاً عند رئيس الوزراء أخينا فؤاد السنيورة. السيد حسن حذّر كثيراً من محاولات إثارة فتنة بين السنّة والشيعة وحذر من محاولات خلق نزاع حاد، وانتقد الحديث عن هلال شيعي، وقال انه غير موجود الا في مخيلة الذين يتحدثون عنه. الملك عبدالله، عاهل الأردن، تحدث عن هلال شيعي، الا ان السيد الخطيب أكد لي ان الملك كان يتحدث عن وضع سياسي لا ديني، وهو في النهاية هاشمي وعلاقته بالشيعة وثيقة وودية دائماً. الأردن يريد حلاً في لبنان من طريق الحوار بين اللبنانيين، ودوراً للأمم المتحدة وأجهزتها المختصة في حل المشكلات في المنطقة، لأن الوضع لا يحتمل نشوب أزمة جديدة. وبالنسبة الى ايران بالذات، فقد تمنى الوزير الخطيب قيام علاقات ايجابية بنّاءة مع كل الدول العربية، خصوصاً الاشقاء في الخليج. لا مشكلة لي مع هلال شيعي او سنّي، وقد كتبت عن سهم شيعي، بعد ان وجدت الخط مستقيماً من ايران عبر العراق وسورية ولبنان حزب الله، وأنا أؤيده طالما انه موجه ضد اسرائيل، ولمساعدة الفلسطينيين على اقامة دولة مستقلة لهم، وأرجو ان يكون هذا الموضوع في رأس جدول اعمال الرئيسين محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد. مشكلتي هي مع الموقف الأميركي وارتباطه العضوي بإسرائيل، وهو موقف اختصره نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية آدم ايريلي في تصريح لتلفزيون"الحرة"بعد زيارة نائب الرئيس ديك تشيني مصر والمملكة العربية السعودية. فهو قال"ان نائب الرئيس نقل الى المسؤولين في البلدين جدية الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي في المضي في محاسبة المسؤولين عن جريمة اغتيال الحريري من الرئيس الأسد الى أسفل الهرم". أرجو القارئ ان يضع في مكان"المجتمع الدولي"اسرائيل ثم يكمل معي، فهذا الكلام يثبت في شكل قاطع تحذير سماحة السيد المتكرر من محاولة الولاياتالمتحدة وفرنسا تسييس التحقيق الدولي. وعندما يدين تشيني سورية ورئيسها قبل ان ينتهي التحقيق، فهذا يعني ان الولاياتالمتحدة لا تريد معاقبة قتلة رفيق الحريري، وانما معاقبة سورية. وثمة أسباب تكاد تكون كلها في الأهمية نفسها. فهناك حلف سورية مع ايران، وحلف هاتين مع"حزب الله"، وبقاء سورية دولة مواجهة مع اسرائيل، والفشل الأميركي في العراق الذي تحاول ادارة بوش تحميل سورية قسطاً من المسؤولية عنه عبر الحدود والتسلل منها. القادة في مصر والمملكة العربية السعودية تقيدهم المسؤولية والمصالح الوطنية، لذلك فهم لن يصرحوا بشيء يشبه ما ذكرت، وإنما يتصرفون من دون تصريح، وما الوساطات المصرية والسعودية، وعبر الجامعة العربية، الا انعكاساً للقلق من الانطلاق من التحقيق في اغتيال الحريري، لتحقيق أغراض أبعد مدى، ثم القلق من ترك سورية ولا حليف لها سوى ايران، والقلق الآخر من تعاظم النفوذ الايراني في العراق، وتمدده نحو سورية. ربما زدت هنا قلقي الشخصي من ان العصابة الليكودية التي خطفت السياسة الخارجية الأميركية، ودمّرت العراق وقتلت مئة الف من مواطنيه، ارتدت الآن نحو سورية لتنفيذ جزء آخر من مخطط مكشوف لا يتوقف عند دمشق، وإنما يكمل باتجاه مصر والسعودية، مع احتمال تقديم ايران عليهما بسبب برنامجها النووي. لذلك فإحباط المخطط في العراق يضمن عدم متابعته في سورية، وإحباطه في سورية، يضمن عدم متابعته في غيرها. هذا مكمن الخطر. فقد رأيت طوال الازمة ان اللبنانيين يختلفون ولكن لا يتقاتلون، فلا احد بينهم يريد عودة الحرب الاهلية. غير ان ضربة لايران، سواء كانت من أميركا او من اسرائيل، ستؤدي الى مواجهة بين"حزب الله"واسرائيل يجر اليها لبنان كله. هذا السيناريو في صلب الازمة السياسية اللبنانية الحالية، فهل"حزب الله"موجود بسلاحه لتحرير مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، او للدفاع عن لبنان؟ أعتقد ان الحزب حاول ان يستبق وضعاً تنسحب فيه اسرائيل من مزارع شبعا، من دون حسم لبنانيتها أو سوريتها، ثم تطلب تجريد"حزب الله"من سلاحه، لانتفاء سبب حمل السلاح. حكومة فؤاد السنيورة رفضت إصدار بيان طلبته الثنائية الشيعية وتمسكت ببيان مجلس الوزراء، فسلاح المقاومة شأن لبناني داخلي وموضع حوار بين اللبنانيين، وليس من طريق الأممالمتحدة. غير ان الغالبية النيابية ترى ان لا مصلحة للبنان في مواجهة المجتمع الدولي وقراراته. الحوار مطلوب، لأن الخيار الآخر خراب بيوت، ولكن مع التصعيد بين ايرانوالولاياتالمتحدة، لا يوجد سبب منطقي للتفاؤل بقرب عودة الوزراء الشيعة الى حكومة السنيورة. غير ان الوضع لم يصل بعد الى نقطة اللاعودة، والى استقالات من البرلمان لفرض انتخابات نيابية جديدة تقلص الغالبية الحالية. مع ذلك هناك أمر محيّر: اللبنانيون جميعاً متفقون على الحوار، فهو شعار المرحلة، والرئيس السنيورة جعل الحوار حجر الزاوية في عمله. وبعد حديث السيد حسن نصرالله الطويل مع"الحياة"، وتركيزه على الحوار، عاد في برنامج تلفزيوني ليترك الباب مفتوحاً على مصراعيه امام الحوار مع الجميع، بمن في ذلك وليد جنبلاط. وكان الرئيس نبيه بري أطلق مبادرة لبدء حوار وطني، كما ان العماد ميشال عون من أنصار الحوار. مع ذلك، الامور تراوح مكانها. فالكل يتحدث عن الحوار، ولكن لا حوار جدياً بين الفرقاء، والنقاط الخلافية تراوح مكانها حتى بتنا نخشى انفجاراً يستبق الحوار ومن دون تخطيط من أحد، وعند ذلك نندم ولات ساعة مندم. هناك تراكم تجربة سياسية كبيرة وحكمة ووطنية لدي كثيرين من اركان السياسة اللبنانية، وعليهم ان يغرفوا من معين هذه التجربة لحل مشكلاتهم بأنفسهم بعيداً من أي وصاية سورية او غربية، أو حتى عربية.