الذهب يسجل رقما قياسيا ب 2796 دولارا للأوقية    أمير منطقة جازان يزور مركز تطوير البن السعودي    ترمب: «لا ناجين» من كارثة الطائرة والمروحية في واشنطن    وزير الإعلام: العلاقات بين السعودية والبحرين تاريخية    حرس الحدود بنجران يحبط تهريب 41 كجم "حشيش" ويقبض على مهربيها ومستقبليها    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على العروبة    الدحيل القطري يعلن تعاقده مع النجم المغربي حكيم زياش    رسميًا.. الشهري يقود الاتفاق حتى نهاية الموسم    المملكة تشارك بالاجتماع الخامس لكبار المسؤولين الإنسانيين حول أوكرانيا    بعد تدخل الوسطاء.. إسرائيل تتراجع وتحدد موعد إطلاق الأسرى الفلسطينيين    تكرّيم 30 منشأة بجائزة العمل في دورتها الرابعة    الأمير خالد بن سلطان يتخلى عن مسؤولياته ويشارك في سباق الأساطير    عندك تذاكر!    النصر توصل لاتفاق رسمي لضم جون دوران    أمريكا: نمو الاقتصاد يتباطأ بأكثر من المتوقع    «تاسي» يودع يناير مرتفعاً 3.15%.. كاسباً 379 نقطة    شراكات جديدة بين هيئة العلا ومؤسسات إيطالية رائدة    القيادة تهنئ أحمد الشرع برئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية    الأمين العام لمجلس الشورى رئيسًا بالتزكية لجمعية الأمناء العامّين للبرلمانات العربية    تتيح لهم حضور الجلسات القضائية بالصوت والصورة.. «العدل» تُطلق مبادرة خدمات السجناء    ليندو السعودية تحصل على 690 مليون دولار أمريكي من جيه بي مورغان    استشاري طب نفسي: 10% من مشاهر شبكات التواصل مصابين بالانفصام    بعد ساعات من تنصيب الشرع.. أمير قطر في دمشق    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    أمانة القصيم تستعرض إنجازاتها لعام 2024 بإبرام عقود استثمارية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    عشر سنبلات خضر زاهيات    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    المملكة تؤكد دعمها لاستقرار وتنمية اليمن    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    المسلسل مستمر    حرب الذكاء الاصطناعي.. من ينتصر؟!    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    قبائل الريث تعزي الأمير عبدالعزيز بن فهد في وفاة الأمير محمد بن فهد    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أميركا وقد صارات سجينة أبي غريب
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2006

ما ارتُكب في سجن أبي غريب كان، إذاً، أنكى وأكثر فظاعة مما تصورنا أو صُوِّر لنا. لم يكن"مجرد"إهانات تتوسل الرموز، لم يكن تعذيبا نفسيا في المقام الأول، لم يكن إيذاءً"ثقافيا"،"استشراقيا"، يحكّم مجندة في رقاب معتقلين تُفترض فيهم ذكورية شرقية،"إسلامية"، يلعب على العريْ والمحرمات الجنسية، يستخدم الكلاب ليبتز المعتقلين بنجاستها، على ما هو مبرمج، حسب اعتقاده، في جيناتهم الثقافية...
ما ارتُكب في سجن أبي غريب كان أيضا، وفضلا عن ذلك، جِزارةً، بالمعنى الحرفي للكلمة، حسب الصور أتراها غيض من فيضٍ قد يأتي؟ التي أذاعتها قناة تلفزيونية أسترالية: جزّ رؤوس وذبح وتقطيع أوصال وكل ما قد يخطر، أو قد لا يخطر، في البال في مثل هذه الحالات عندما تنطلق همجية الجلادين من عقالها. وما لم تقله الصور أفصحت عنه الشهادات، على شحّها راهنا، شأن تلك التي أدلى بها أمام مجلس النواب الأميركي عسكري سبق له العمل في العراق، وتحدث عن تعذيب الأطفال أمام آبائهم المعتقلين للضغط على هؤلاء.
ويبدو أن المسؤولين الأميركان، أو أرفعهم شأنا، كانوا على بينة من تلك الصور، على علم بوجودها أو شاهدوها، ولكنهم اختاروا التستر عليها، مفضلين، عوض فقأ الدمل واستخلاص كل قيحه العفن، الاكتفاء بالتركيز على الدفعة الأولى من صور أبي غريب التي انفضح أمرها، والتي كانت"سوفت"قياسا إلى هذه التي بين يدينا، وذلك ربما تحسبا لنشرها وتحوّطا، حتى إذا ما حصل ذلك، صير إلى إلحاق الأخيرة بالأولى والزعم بأن الموضوع طوي وحسم فيه القضاء.
غير أن مثل هذه الحيَل، إن وجدت لن تمحو حقيقة، تلك التي مفادها أن الولايات المتحدة قد أجهزت، بما اقتُرف في سجن أبي غريب وشهدت عليه صور التلفزيون الأسترالي، على آخر مسوّغ"محترم"لغزوها العراق. فقد بطلت ذريعة أسلحة الدمار الشامل، ودُحِضت تعلّة التواطؤ بين نظام صدام حسين وتنظيم"القاعدة"ولم يبق إلا التعويل، من حيث المبدأ ونظريا، على ديموقراطية الولايات المتحدة واحترامها لحقوق الإنسان، الذي كان يُحسب مجال تفوقها بلا منازع، أقله قياسا إلى حكم كاسر شرس كذلك الذي استبدّ بمقدرات بلاد الرافدين لثلاثة عقود عجاف. كان يعتقد أن الاحتلال الأميركي، مهما اشتدت وطأته ومهما اقترف، لن يبز النظام العراقي السابق، الذي بلغ في مجال انتهاك الإنسان الأقصى... وها أن الولايات المتحدة تبدد حتى هذه"الأفضلية"الوحيدة، وها أن جلاديها يضاهون نظراءهم، جلادي صدام حسين، في عقر إجرامهم، سجن أبي غريب إياه.
تكاد الولايات المتحدة تفقد، على ضوء أو على ظلام صور التلفزيون الأسترالي، كل أهلية أخلاقية في محاكمة صدام حسين، إن مباشرة وإن من باب الإشراف كما هو حاصل. تستطيع طبعا محاكمته لما لا يُحصى من الأسباب، لأنها هزمته، والمحاكمة نصيب المهزومين، أو اقتصاصا منه على الإضرار بمصالحها إلى ما إلى ذلك الكثير، إلا محاكمته باسم الجرم في حق الإنسانية أو جرائم الحرب، ليس قطعا لأنه براء من تلك الجرائم، بل لعدم أهلية الولايات المتحدة لذلك، أو لأنها، أقله في العراق، أضاعت تلك الأهلية في أبي غريب... طالما أن ما حدث في ذلك المعتقل ليس مجرد"تجاوزات"ولا يندرج في بابها، قد يصح هذا الزعم حتى على إلقاء قنابل الفوسفور الأبيض على الفلوجة، إذ قد يقال أنها الحرب، وأن هذه الأخيرة لا تجري داخل مختبر معقّم، وأن لها دوما ضحاياها الجانبيين، منهم من تنال منهم"نيران صديقة"أما كيف يمكن للنيران أن تكون صديقة؟ فذلك من عبقرية لغة التكنوقراط، خائضي الحروب في المكاتب، أما ما اقتُرف في سجن أبي غريب فهو تعذيب، بل تقتيل وتمثيل بالجثث، ممنهج منظم إرادي وبدم بارد... أضحت محاكمة صدام حسين في ظل الاحتلال الأميركي أمرا خُلفا، مثل أن يقاضي تيمورلنك جنكيز خان بتهمة الإبادة، أو أن يقاضي هتلر ستالين بتهمة التقتيل الجماعي... يلوّث تلك المحاكمة التي يراد لها، أقله في نظر عراقيين كثر، أن تكون محاسبة لماض ولبنة تأسيسية لاجتراح عراق جديد، ديموقراطي يحلّ حقوق الإنسان منزلتها الرفيعة المنشودة والمبتغاة.
قد يرى البعض في هذا الكلام جنوحا إلى المبالغة، وأن الولايات المتحدة تظل، في نهاية المطاف، دولة ديموقراطية، وذلك صحيح، ولكن ديموقراطية الولايات المتحدة ليست من"ظروف التخفيف"، بل هي من"عوامل الإدانة"في مثل هذا الصدد، وتجعل اقترفاتها أفدح.
لكن هناك ما هو أخطر: استقالة ديموقراطيي الغرب، والأميركان منهم على نحو خاص، حيال ما يُرتكب باسم ديموقراطيتهم وباسم الدفاع عنها ونشرها، أي في نهاية المطاف، حيال ما يُقترف في حق نظامهم وقيمهم. لم تظهر حتى الآن تيارات رأي احتجاجية كتلك التي شهدتها الولايات المتحدة أثناء حرب فييتنام أو فرنسا إبان حرب التحرير الجزائرية، حيث قام من نطق وحاسب باسم القيم، وكتب ونظم المسيرات وواجه القمع والمحاكمة في بعض الحالات. والأرجح أن عامل الزمن وقد أوشكت الحرب العراقية على بلوغ عامها الثالث، أو قصره النسبي على ما يُعتقد، ليس العامل الحاسم في ذلك، إذ لا يبدو حتى الآت بأن شيئا من ذلك القبيل بصدد الاعتمال، مرهصا بصحوة، في البلدان الغربية. الأرجح أن لهذه المواجهة خصوصيتها قياسا إلى سابقاتها: أضحت"الحرب على الإرهاب"، بأبعادها الثقافية والحضارية المعلومة، تلوح، عن وجه حق أو توهماً وخطأً، حرب وجود، تدعو الرأي العام الغربي، وذلك الأميركي تخصيصاً، إلى التساهل حيال كل شيء، حتى وإن كان بفظاعة ما شهده سجن أبي غريب.
ويُستبعد أن يكون ذلك ناجما فقط عن كفاءة دعائية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.