فازت"حماس"في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، على رغم التهديدات والاستفزازات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية. وحصل ما كان يخشاه الغرب، فاقترع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وضد استراتيجية السيطرة الاميركية والاسرائيلية. واقترع ضد الفساد والخونة والعملاء. ولم يصوت هذا الشعب ضد السلام، ولكن ضد الخداع الحاصل باسم السلام، وضد نموذج محمود عباس. وهو شكل من أشكال الاحتلال الذي تفرضه أميركا واسرائيل. ولم يخش الشعب الفلسطيني التهديدات الاميركية والاسرائيلية في هذه الانتخابات، بل لقن الشرق الاوسط كله درساً في الديموقراطية والشفافية. ولا شك في أن الولاياتالمتحدة، وهي صاحبة مشروع"الشرق الاوسط الكبير"وموزعة مشاريع الديموقراطية بالجملة على دول المنطقة، هي اليوم أمام امتحان كبير. ويترتب على الولاياتالمتحدة الديموقراطية التصفيق لهذه الانتخابات. ولكن الولاياتالمتحدة لم تصفق للفلسطينيين، ولم تحترم إرادة الشعب الفلسطيني الحرّة. ألا تظهر الديموقراطية الا عندما يفوز في الانتخابات من تريده أميركا؟ فالرئيس الأميركي يقول انه لن يتعامل مع"حماس"إلا بعد تركها السلاح. وكوفي انان يقول ان"حماس"ارهابية! ولكن ألم يقل هؤلاء هذه العبارات في السابق في عرفات وفي"فتح". أوَلم يحصل عرفات بعد ذلك على جائزة نوبل للسلام؟ فعرفات اصبح رئيس السلطة الفلسطينية، وجلس الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل؟ أوَلن يتكرر ما حدث بالأمس مع عرفات، اليوم مع"حماس"؟ ولن تتوقف محاولات أميركا للقضاء على تيارات الإسلام السياسي في الشرق الاوسط. وعلى من يعتقد أن الإسلام السياسي انتهى في المنطقة، أن يدرك انه أمام موجة جديدة من التيارات الاسلامية، بدأت تنتشر. ولو جرت في دول المنطقة انتخابات حرّة لفازت التيارات الإسلامية. وأميركا تدرك ذلك. وعلى رغم انزعاجها من هذا الأمر ورفضها له، تسعى اميركا في التفاوض سراً مع تلك التيارات، على ما يحصل مع"الاخوان"بمصر وسورية. واليوم تتحكم"حماس"بمفاتيح السلطة الفلسطينية. والقبول بهذه الحقيقة أمر محتم، سواء رضيت اميركا واسرائيل هذه الحقيقة أو رفضتا. وفي انتظارنا موقف غريب. فالعدوان الأزليان"حماس"واسرائيل مضطران الى الاعتراف المتبادل بوجودهما. ومن المرجح أن تنضم"حماس"الى مفاوضات السلام، وأن تحاول اسرائيل نزع سلاح"حماس". ويقابل تمسك"حماس"بسلاحها، لين في مواقفها السياسية. فما كان قادتها يرفضونه بالمطلق، يصبح قابلاً للنقاش. فنجاح"حماس"في الانتخابات لن يسد طريق السلام، بل يحييه ويفتحه من جديد. وعلى اسرائيل وأميركا، وهما تقولان ان الديموقراطية هي دواء الارهاب، احترام خيار الشعب الفلسطيني. فها قد ظهرت الديموقراطية التي تريدون، فلماذا هذا الضجيج؟ عن ابراهيم كارا غول،"يني شفق"التركية، 29/1/2006