يتساءل المخرج السوري نبيل المالح بمرارة إذ تستفسره عن اعتراضات أمراء آل الأطرش على مسلسله التلفزيوني الجديد عن حياة الراحلة أسمهان وحضورها في الحياة الفنية والسياسية العربية:"هل علينا أن نقتل أسمهان مرتين؟". والحق يقال إنك تجد نفسك في موقع"المستفسر"عن كل ما يحيط بهذه القضية الشائكة، فتتركه على سجيته ليكمل الإجابة من عنده، فيما هي لا تتأخر:"لقد قتلت في عز شبابها، والآن تُقتل ذاكرتنا عنها!". على أية حال تبدو أزمة مسلسل أسمهان مرشحة للتصاعد كحال سابقتها أزمة مسلسل نزار قباني الذي بتّ القضاء السوري أخيراً في أمره لمصلحة الجهة المنتجة وسمح بتوزيعه والترويج له. نقول ذلك لأن المخرج المالح يضيف جازماً:"ان السيد ممدوح الأطرش قد حصل على قرار من محكمة النقض في دمشق بتاريخ 1/6/2004 يجيز متابعة الاجراءات التنفيذية لمسلسل تلفزيوني عن حياة الراحلة الأميرة آمال الأطرش - أسمهان". هنا لا يسجل نبيل المالح اعتراضاً على اعتراض الأمير عماد الأطرش، وإنما يوضح موقفه:"إذ ان علاقتي بالعمل هي علاقة كاتب سيناريو وحوار ومخرج، أما الأمور القانونية المتعلقة بالحقوق فهي تتصل مباشرة بالجهة المنتجة. ولكن ما يدهشني حقاً هو أن السيد الأمير عماد قد تجاهل تماماً أن هناك حكماً صادراً في الشأن يجيز لنا إنتاج هذا المسلسل". ولا تبدو الصورة واضحة بخصوص مسلسل أسمهان، وإن كان هناك من يرد بأن ثمة نقاط اعتراض جوهرية من جانب آل الأطرش بخصوص حياة الراحلة نفسها، فيما يؤكد المالح من جهته ان"تناول موضوع أسمهان هو عمل استثنائي بكل المقاييس ويجب أن تتاح له أفضل الشروط الفنية والانتاجية والعلاقات الجيدة مع أصحاب العلاقة والأقارب كي يأتي بالشكل الذي يتمناه أي انسان". ولا تبدو الصورة واضحة كما أسلفنا، لأن دهشة المالح تزداد ما إن يكتمل جلاء الصورة نفسها"لقد تواصلنا مع آل الأطرش، وفوجئنا بحجم الترحاب والمباركة والرغبة في المساعدة". وتسأل المخرج المالح عن نظرته هو - كمخرج - الى أسمهان نفسها فيجيب:"ككاتب للنص الذي سينفذ، وكمخرج أرى انها ظلمت في حياتها ومماتها، فقد جرى تعذيب هذه المرأة واضطهادها بطريقة بشعة، وهي ذلك الطير المغرد الذي حمل الألق والجمال والنزوع نحو حرية لم تطلها أبداً... وماتت أو قتلت قبل أن تكمل مشواراً كان يمكنها أن تصبح من خلاله مرآة لعصر وصورة لإبداع متجدد يشكل اضافات مهمة في مسيرة المنجز الابداعي العربي في شكل عام". حياة طير مغرد وتسأله عما إذا كان هناك خوف من"تشويه"صورتها بطريقة لا يريدها أهلها لها، فيجيب المخرج المالح:"لا أدري لماذا يراد لهذا التعتيم أن يتم بهذا الشكل، فأسمهان ومن خلال تعاملي مع شخصيتها في هذا العمل هي شخصية مشرقة، وفي وقت تتسابق المحطات لإنجاز أعمال ومسلسلات عن شخصيات مثل عبدالحليم حافظ وعمر الشريف ووردة الجزائرية وسعاد حسني، ومن دون الانتقاص من قيمة أحد، فإنني لا أفهم لماذا يقف أحد ما في وجه انجاز عمل عن فنانة استثنائية سورية تمكنت خلال عشر سنوات من أن تصنع لها مكانة متقدمة بين الكبار؟". ويختتم المالح كلامه قائلاً:"ما أعجب له هو انني لم أسمع صوتاً يعترض على الكتب التجارية التي نشرت حول أسمهان والتي أعرف ان فيها الكثير من الخيال والأكاذيب والقصص المختلفة، فما الذي جرى الآن لكي يقف أحد ضد انجاز عمل يقدم أسمهان كما يجب أن تقدم كشخصية درامية تاريخية ابداعية بامتياز، وأنا الآن أتساءل عن الضمير المختفي وراء السكوت عن مئات الصفحات الصفراء المختلقة حول أسمهان والمحيط الذي وجدت فيه وتفاعلت معه وأثرت فيه... والآن يجيء من يقرر الوقوف ضد هذه الشخصية، وأنا هنا أدعو كل من يحرص على أسمهان ومكانة أسمهان أن يتفضل بالمساهمة في تقديم معلومات اضافية قد تعين عملنا كما فعل الكثير من آل الأطرش الذين أشكرهم على كرمهم وتعاونهم، فأنا لا أستطيع أن أفهم أن يكون هناك أحد ما ضد أن نقدم مساهمة آل الأطرش في النضال من أجل الاستقلال الوطني، وما إذا كان هناك من هو ضد مشاهدة العصر الذهبي لتطور الفن والثقافة سواء في مصر أو سورية، على أنني أفهم تماماً ان من يقف ضد هذا يجب عليه بالتالي أن يوقف أي عمل عن يوسف العظمة وسلمى الحفار الكزبري وعادلة بيهم ونجاة قصاب حسن وفخري البارودي وعشرات غيرهم، وأنا مصرّ الآن أكثر من أي وقت مضى على استدعاء كل رموز حضارتنا المعاصرة في هذا الزمن الرديء الذي اضمحلت فيه الأصوات العبقرية، لقد فشلنا كثيراً في السياسة والاقتصاد، لكننا سنبقى رافعي الرؤوس بكل أولئك الكبار الذين صنعوا ذاكرتنا وضمائرنا، لذلك أرجو من الأمير عماد والأميرة كاميليا ابنة أسمهان والأمير فؤاد أن ينضموا إلينا في عمل أسمهان كي نقدم صورة مؤثرة وصافية عن إنسانة استثنائية من بلادنا. وعدا ذلك فإنني أتمنى على السيد الأمير عماد منير الأطرش أن يتفضل بكتابة كتاب أو دراسة حول عمته يمكن أن تزيل الكثير من الغموض الذي تعمد كثر اسباغه على حياتها، وأن يساعد هذا الجيل الذي لا يعرف عنها شيئاً في رفع ثقافته حول تراثه الإبداعي، خصوصاً أن أسمهان تعتبر من الفنانين السبعة الكبار في مصر والعالم العربي".