الدرجة العالية من البراغماتية التي برزت عبر المواقف المعلنة للقيادات المسؤولة في حركة"حماس"منذ فترة فير قصيرة، لعبت دوراً مهماً في تمرير استحقاق العملية الانتخابية الديموقراطية لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، بسلاسة كاملة، ومن دون التواءات أو اهتزازات، خصوصاً مع تواتر الأصوات الأميركية والاسرائيلية التي بدأت تضج وتصرخ من العقلانية العالية التي دفعت ب"حماس"نحو المشاركة في العملية الديموقراطية الانتخابية. فالنتائج التي أفرزتها العملية الانتخابية كانت في وقعها أشبه بالصاعقة التي هبطت فوق رؤوس المتابعين للشأن الداخلي الفلسطيني، والمتابعين لحال خريطة القوى السياسية الفلسطينية. وهي كانت حادة في انزياحها لمصلحة قائمة"حماس"ومرشحيها الذي فازوا في ظل النظام الانتخابي المعتمد 50 في المئة قوائم و50 في المئة دوائر. فحصدت"حماس"76 مقعداً، فيما تراجع حزب السلطة الفلسطينية فتحالى الموقع الثاني للمرة الأولى في التاريخ المعاصر لحركة المقاومة الفلسطينية بفارق كبير نسبياً، وباتت القوى الفلسطينية من التلاوين القومية واليسارية كافة في خانة"القوى ذات الوزن الخفيف. الانتخابات بنتائجها المترتبة عليها فاقمت من استفحال ظاهرة الاستقطاب السياسي والبرنامجي والتنظيمي في الساحة الفلسطينية بين الكتلتين السياسيتين الأكبر ممثلتين ب"فتح"و"حماس"، مع ضياع قوى القطب الثالث الممثلة للتيارين القومي والديموقراطي اليساري، بعد عجزها وفشلها في التوصل الى قائمة موحدة لاعتبارات مختلفة على رأسها التراكم السلبي من العلاقات المتردية تاريخياً بين مكونات هذا التيار وطغيان منطق"النرجسية الذاتية"والأنانية التنظيمية بين أطرافه بعيداً من الخلاف البرنامجي الذي تتلحف به بعض القوى اليسارية، كالتباين حول أعداد المرشحين وترتيبهم من كل طرف. وعلى هذا الأساس جاء تشتت قوائمها على قوس يمتد الى نحو تسع قوائم، وجاءت نتائجها المتواضعة عبر صندوق الاقتراع. من المؤكد أن الفوز الكاسح ل"حماس"في الانتخابات التشريعية وضعها أمام مرحلة صعبة لا تحسد عليها، وأمام جملة من الاستحقاقات التي تنتظرها مع امكان تشكيلها للحكومة الفلسطينية الجديدة. فالفوز الانتخابي له استحقاقاته، ولن يكون هذا الاستحقاق من دون ثمن مقبول، وأول الأثمان المطروحة يتمثل في احلال منطق المشاركة السياسية والبرنامجية الواسعة على أساس توسيع مساحة التقاطع المشترك، مع الأخذ في الاعتبار جملة الوقائع التي أفرزتها السنوات الماضية من عمر السلطة الفلسطينية والتزاماتها الدولية المترتبة عليها، والا فان سيف المقاطعة الدولية سيغلق الفضاء المفتوح أمام الحركة السياسية والدبلوماسية الفلسطينية الرسمية. وفي هذا الاطار، يترتب على"حماس"، باعتبارها أضحت في الموقع المسؤول، دخول البيت الفلسطيني الائتلافي من أوسع أبوابه، عبر القبول بمبدأ"التشاركية" والتحالف تحت سقف القواسم المشترك بعيداً من نزعة الاحتواء، استناداً الى المحاصصة المشروعة التي تمت عبر صندوق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية في سياق اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كاطار جبهوي موحد يضم أطياف الحركة الوطنية كافة، بما في ذلك قوى التيار الاسلامي الفلسطيني "حماس"و"الجهاد" التي أصبحت قاب قوسين من الدخول الى عضوية منظمة التحرير، اضافة الى التقدم ببرنامج سياسي مسؤول بعيداً من التهور أو التطرف، يتكيف مع المعطيات القائمة، مازجاً بين السياسي والأيديولوجي وفقاً لطبيعة كل مرحلة. كما يتعين عليها توسيع دائرة علاقاتها العربية والدولية، ومواصلة محاولتها المشروعة للبدء في حوار شامل مع الادارة الأميركية، والغرب عموماً، انطلاقاً من تطور مواقفها في التعاطي السياسي مع مراكز القرار المؤثرة في العالم، ومحاولتها"مسح"الادعاءات الغربية التي وسمت سياسة"حماس"باعتبارها تنظيماً"ارهابياً". كاتب فلسطيني