كرست النتائج التي أفضت اليها الجولة الرابعة من الانتخابات البلدية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة التحول البراغماتي المشروع لحركة"حماس"، وفتحت أمامها الأبواب على مصراعيها للولوج الى دائرة القرار الرسمي الفلسطيني عبر بوابة المشاركة في الانتخابات، كطرف وفصيل مؤثر في ساحة العمل السياسي الفلسطيني، بما في ذلك اعادة البحث في انضمامها الى عضوية منظمة التحرير بعد سنوات من التجاذب والحوار مع مختلف الأطراف الفلسطينية. وأغلب الظن، فان الدرجة العالية من البراغماتية التي أطلت بنفسها عبر المواقف المعلنة للقيادات المسؤولة في حركة"حماس"، لعبت دوراً مهماً في تمرير استحقاق العملية الانتخابية الديموقراطية للبلديات التي جرت قبل فترة، بسلاسة كاملة ومن دون التواءات أو اهتزازات، خصوصاً مع تواتر الأصوات الأميركية والاسرائيلية التي بدأت تضج من العقلانية العالية التي دفعت ب"حماس"نحو المشاركة في العملية الديموقراطية الانتخابية، بلدياً وتشريعياً، في وقت اتخذت السلطة الوطنية الفلسطينية موقفاً حاسماً ورافضاً لأي تدخلات خارجية في الشأن الانتخابي الفلسطيني ونتائجه باعتباره حقاً مصوناً ومحفوظاً لكل الفلسطينيين ولمختلف الأطراف الفلسطينية المشاركة في هذا الاستحقاق. وفي هذا الاطار، يلحظ المتابع لشؤون البيت الفلسطيني مدى التحولات البراغماتية والدروس التي استوعبتها"حماس"في سياق أدائها السياسي والاعلامي والمقاوم على أرض الواقع، مستفيدة في ذلك من تجربتها أولاً، ومن تجربة فصائل المقاومة الفلسطينية بسلبياتها وايجابياتها ثانياً. وتتضح عناصر البراغماتيا من خلال الآتي: 1- التوجه المتسارع لحركة"حماس"في سياق سعيها للدخول الى البيت الفلسطيني الائتلافي من أوسع أبوابه، عبر القبول بمبدأ المشاركة والتحالف تحت سقف القواسم المشتركة بعيداً من نزعة الاحتواء، استناداً الى المحاصصة المشروعة عبر صندوق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة للمجلس الاشتراعي الفلسطيني، بدلاً من المحاصصة الفوقية. وبهذا المعطى، فان النتائج المتوقعة من انتخابات المجلس الاشتراعي المقررة في 25 الشهر الجاري ستعطي المؤشرات الدالة على حجم مختلف القوى وحضورها في سياق اعادة بناء منظمة التحرير كاطار جبهوي موحد يضم كل أطياف الحركة الوطنية بما في ذلك قوى التيار الاسلامي الفلسطيني " حماس"و"الجهاد" التي أصبحت قاب قوسين من الانضواء في عضوية المنظمة. 2- تمسك الحركة بنبذ العنف الداخلي في البيت الفلسطيني، والتأكيد على الشراكة الوطنية والسياسية مع الجميع، خصوصاً مع حركة"فتح"والسلطة الوطنية الفلسطينية. 3- التوجه المتسارع ل"حماس"في توسيع دائرة علاقاتها العربية والدولية، ومحاولتها المشروعة للبدء في حوار شامل مع الادارة الأميركية، والغرب عموماً، انطلاقاً من تطور مواقفها في التعاطي السياسي مع مراكز القرار المؤثرة في العالم، ومحاولتها"مسح"الادعاءات الغربية التي وسمت سياسة الحركة وممارساتها باعتبارها تنظيماً"ارهابياً". ف"حماس"ليست"طالبان"وفلسطين ليست أفغانستان. وفي هذا الاطار فان معلومات مؤكدة تسربت قبل فترة عن حوارات ولقاءات بين شخصيات من الادارة الأميركية وبعض أعضاء المكتب السياسي ل"حماس". 4- وفي سياستها الداخلية، نلحظ أيضاً ما اصطلح عليه ب"تغذية المواقع القيادية بالعناصر الشابة"المنفتحة سياسياً واعلامياً، والبعيدة عن التشنج، وهي العناصر التي صعدت مع صعود الانتفاضة، وارتقت السلم القيادي للحركة في سياق التعويض المنطقي للخسارة التي منيت بها نتيجة اغتيال عدد كبير من قادتها الميدانيين العسكريين والسياسيين. * كاتب فلسطيني