هل يحق لإيران امتلاك السلاح النووي؟ من حيث المبدأ، وقبل الإجابة عن هذا السؤال، يجدر التنويه بأن عالما أمثل هو عالم خال من أسلحة الدمار الشامل. لكننا بطبيعة الحال لسنا في عالم من ذلك القبيل، بل أن المُثل المُفارِقة والنقية، لا حيّز لها إلا في أذهان الأفلاطونيين. وهي، إن وُجدت، ربما كان من الأجدى والأسلم أن تظل حيث هي، لأنه كلما صير إلى محاولة تنزيلها في تاريخ البشر، كانت الحصيلة كارثة، على ما برهنت التجربة وأمعنت منذ سحيق الأزمنة. هل يحق إذاً لإيران امتلاك السلاح النووي؟ نظرياً، من ناحية، وواقعيا من ناحية أخرى، نعم... أو ربما كان من الأجدر والأصح القول إن الحجج التي درج المعترضون على سوقها لإنكار ذلك"الحق"على الجمهورية الإسلامية، قاصرة في الغالب، من الناحية العقلية وبصرف النظر عن النفور الذي يستثيره نظام الملالي لدى الكثيرين، عن الإقناع أو عن دحض ادعاءات طهران في هذا الصدد. ذلك أنه لا يستقيم، دون الوقوع في تهمة الكيل بمكيالين الشهيرة، حرمان إيران مما هو متاح للهند وباكستان، بل حتى لكوريا الشمالية، ناهيك، بطبيعة الحال عن إسرائيل. كان يتوجب الحؤول دون تحوّل القارة الآسيوية، وجنوب غربها تخصيصا، مجالا لسباق التسلح، واتقاء نشوء تلك الكيمياء البالغة التفجر، والناجمة عن التقاء النووي بالنفط بالأصولية في تلك الأرجاء... وأما وأن ذلك لم يتحقق، وأن القوى الكبرى التي انتدبت نفسها مسؤولة على أمن العالم قد سجلت في ذلك الصدد إخفاقا، فإنه يتعذر صرف إيران، كدولة ترى نفسها كبيرة ومؤثرة، أقلّه على صعيد مجالها الإستراتيجي المباشر، عما قد تراه حقا سياديا لا جدال فيه، وترى حرمانها منه، على العكس من بلدان أخرى في الجوار القريب أو الأقل قربا، غبنا وإجحافا، أو أن عملية الصرف تلك لا يمكنها أن تُنجز إلا بفعل قوة، إنتقائية طبيعةً، وليس استنادا إلى معايير موضوعية وحيادية، تواضعت المجموعة الدولية على اللجوء إليها في مثل هذه الحالات كما على طرق ووسائل إنفاذها. حتى الإشارة إلى الطبيعة الإيديولوجية لنظام طهران قد لا تُغني في هذا الصدد. إذ يبدو أن إيرانيين كثراً، من غير أنصار سلطة الملالي القائمة حاليا، لا يعترضون على مساعي تلك السلطة في المجال النووي، رغم مناصبتهم لها العداء في مجالات أخرى كثيرة. وهو موقف يعود في بعض أوجهه إلى مشاعر وطنية، بقدر ما يعود، حسب اجتهاد بعض الأوساط، إلى التمييز بين النظام من جهة، وبين الدولة والكيان من جهة أخرى، يرى في السلاح النووي عنصرا من عناصر مناعة هذيْن، حتى وإن تحقق على أيدي نظام يمجّه ويمقته. هذا، بطبيعة الحال، ناهيك عن أن حجة التعصب الإيديولوجي للسلطة الراهنة لا تبدو كافية. صحيح أن البرنامج النووي الإيراني قد وجد في الرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد، ذلك الطالب الأبدي الذي يلقي التصريحات، وهو رئيس دولة، على عواهنها كما كان يفعل في المهرجانات الخطابية"الجماهيرية"والانتخابية، أسوأ محام يرافع عنه، يغذي المخاوف، الحقيقية أو المدعاة، لكل من يساوره قلق حيال مساعي إيران النووية، ولكن يمكن لأي نصير لنظام الجمهورية الإسلامية أن يواجه مثل تلك الحجة بالقول بأن السلاح النووي إنما يضطلع بوظيفة ردعية، وأن فاعليته، بهذا المعنى، إنما تتمثّل في عدم استخدامه، وأن الطبيعة الإيديولوجية لنظام من الأنظمة لا ترشحه، بمفردها، لاحتمال اللجوء إلى ذلك السلاح في يوم من الأيام، وبأن القوة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري، للمرة والأولى والأخيرة حتى الآن في التاريخ البشري، إنما هي الولاياتالمتحدة، وهي كما هو معلوم، دولة ديموقراطية، بل زعيمة العالم الحر، ومسؤولة، ولم تكن واقعة تحت سلطة بعض الموتورين المتعصبين. ونحن لا نشير إلى ذلك من باب الترويج ل"حق"إيران المزعوم في امتلاك السلاح النووي، بل من باب السعي إلى تبيان كيف أن القوى الكبرى المعترضة على مساعي الجمهورية الإسلامية في ذلك الصدد، إنما تجني، في هذه الحالة، ثمار لبس وانتقائية في سياستها الرامية إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وسلوكها مسلكا يتغاضى عنها ويتسامح في بعض الحالات، لتعاطفٍ أو لحسابات استراتيجية، ويبدي صرامة في بعض الحالات، لنفور ولحسابات استراتيجية أيضا، فإذا هي سياسة غير مبدئية، لا تتوخى معايير مسلّماً بها يُجمع عليها العالم، وإذا هي تالياً، سياسة ضعيفة متهافتة، يمكن لأي موتور أو ديماغوجي أن يفضح تناقضاتها. لذلك، فإن أفضل الحجج ضد سياسة إيران النووية لا تتمثل في تلك التي يسوقها العالم الغربي، الولاياتالمتحدة وأوروبا، بل في تلك التي قد يسوقها، بل يجب أن يسوقها، العالم الإسلامي، في بلدان المنطقة على وجه التحديد. فما لا شك فيه، بالنظر إلى راهن المنطقة تلك وإلى طبيعة النوازع التي تعتمل فيها، والتي لا ينكرها إلا مكابر أو من يحل أمانيه منزلة الوقائع، أن قنبلة إيران النووية، إذا ما قُيض لها أن ترى النور، ستكون حكما"قنبلة طائفية"... واقع الشرق الأوسط والخليج لا يمكنه، في طوره الراهن، إلا أن يرشح بشيء من هذا القبيل ومن هذه الطبيعة. لذلك، وبالنظر تكرارا إلى واقع الاحتقان الطائفي الماثل والمعلوم الذي لا يجدي التستر عليه، فالأرجح أن تكون القنبلة النووية الإيرانية"قنبلة شيعية"على منوال الوصف الذي أُطلق في وقت من الأوقات على نظيرتها الباكستانية، بأنها"قنبلة إسلامية"، قد تتوجسها مكوّنات سكانية بعينها وقد تستقوي بها أخرى، عابرة للأوطان في الحالتين، من منطلق طائفي في المقام الأول، فتكون بذلك عنصر توتير بالغ الخطورة على الصعيد الإقليمي يفوق بكثير خطرها المزعوم على إسرائيل، المتمتعة بالحماية وبوسائل الرد. وهو ما قد يؤدي إلى بروز استقطابات جديدة وإلى تصليب تلك الاستقطابات، وإلى بلوغ من يتوجّس خطرها الأقصى في سعيه إلى الاحتماء، وفق احتمالات سوء لا مفر منها، لعل أقلها دراماتيكية، على فداحته في ذاته، نشوء ضرب من استقطاب ثنائي، طرفاه إيران وباكستان، ينتظم نصاب المنطقة على أساسه، توترا مقيما... هذا ما قد يكون أبرز مخاطر القنبلة الإيرانية، إلا لمن أعمى بصيرته العداء لأميركا وإسرائيل مهما كان العداء ذاك مشروعا، فاصطفّ إلى جانب طهران فقط نكاية بواشنطن وتل أبيب.