تجتمع في لبنان كل القضايا الخلافية، المحقة في الأساس والممعنة في الجدية، وان كانت تتخذ طابعاً عنفياً مسيئاً الى الدفاع عنها، وتنعقد فيه الأزمات والتشابكات الخارجية التي لها ارتباطات داخلية، ليس بحكم كونها تابعة ومسيرة، وانما بسبب أن المجتمع اللبناني مؤلف من نسيج اجتماعي يشبه كل المجتمعات البشرية. فأن يكون لبنان مجموعة طوائف وأديان، ليس ذلك عيباً، فكثير من الدول قائمة على هذا النحو الديني أو القومي أو العرقي. وانما العيب في أن النظام الطائفي يفرض نفسه وقوانينه على النظام السياسي والاجتماعي على الدولة وعلى باقي الطوائف الأخرى. وفي أن يكون هو نفسه يشكل النظام الاقتصادي، ويكون النظام الاقطاعي والرأسمالي أيضاً مرتبطاً بالبنى الطائفية، فهكذا تتعقد الدورة الاقتصادية وتتأزم وتكون عائقاً أمام التطور الاقتصادي حتى الى الاتجاه الرأسمالي غير العادل، فيبقى النظام الاقتصادي متأخراً لا يبلغ حتى المرحلة الرأسمالية. وأن يكون شخص يمثل طائفته ويعمل لمصلحتها، فليس ذلك غريباً. بل هو من الطبيعة الاجتماعية، بحيث ان أول تشكل اجتماعي بديهي هو الاجتماع العصبي الذي امتدحه الفيلسوف ابن خلدون، لأنه أساس قيام الدولة، التجمع الأكبر، لاحقاً. لذلك نرى المصالحة الطائفية بين كل الناس تتم عبر الزعماء. كل ذلك ليس مشكلة بل المشكلة ألا تحصل كل طائفة على حقوقها، أو لا تحصل عليها الا من خلال طائفتها. فيكون الوطن وفق هذه التشكيلة مقسماً، وكل طائفة تعادي الطوائف الأخرى. فالحقوق والأنظمة الاقتصادية يجب أن تكون مؤمنة على الصعيد الشامل، أي على صعيد الدولة التي توزع الحقوق نفسها على المواطنين جميعاً. ومن هنا تكلم الدستور عن المشاركة وعن سير الأمور بالتوافق، والعيش المشترك بين الطوائف الذي يجب أن يكون على صعيد القاعدة لدى الطوائف أي على المستوى الشعبي العادي ،لا أن يكون الاتفاق بين زعماء الطوائف ضد كل الفقراء من الطوائف المختلفة التي يتزعمونها. ولا يزال التاريخ يتكون من صراعات الفقراء ومحاولات اثبات وجودهم. لكن لا يزال الفقراء"لا يملكون الا القوانين و الحقوق"النظرية، ليدافعوا عن أنفسهم وعن حقهم ومطالبهم في الوجود. وكأن النظريات الحقوقية هي اختراع الفقراء ليحاولوا بها تحصيل حقوقهم، في حين أن الأغنياء يملكون الواقع المفروض، والقوة التي يحققون بها مبتغاهم ويحصلون بها على حقوقهم، المشروعة كذلك. ان الصراعات في لبنان، والعالم، مهما وصفت بأنها سياسية وحتى طائفية، فهي اضافة الى ذلك صراعات ومعارك معيشية، من أجل تحسين الحياة الاقتصادية وايجاد عمل، ومن أجل الحصول على أنظمة للضمان الاجتماعي. هي معارك من أجل تحسين فرص العيش. اما الصراعات الحزبية والصراعات التي قيل أنها ضد الأجهزة الأمنية أو العسكرية، انما هي صراعات ليست ضد كون هذه الأجهزة أمنية أو ما شابه، وانما لأن هذا النظام الأمني لم يتمكن، ولم يكن لديه الوقت، لأنه انشغل بالضرورات الأمنية على رغم كونها ملحة، فلم يتمكن من بناء نظام معيشي مزدهر. أن يكون أحد الأطراف مرتبطاً بالخارج. فليس أمراً مذموماً، فالمهم هو عدالة هذه القيم الخارجية، وخصوصاً المفاهيم والمواقف تغيرت بعد النظرية الشيوعية. فالحرب من أجل الاستقلال أيام الاتحاد السوفياتي كانت تهدف الى الفرز القومي الذي يقاوم الشيوعية أما اليوم، وبعدما اضمحلت هذه الاعتبارات، صارت العدالة هي في تحقيق الاستقلال. وصارت الحرية والسيادة عنوان التطلعات الانسانية الشريفة. وهذا ما جعل بعض الأطراف اللبنانية التي كانت في صف الاتحاد السوفياتي وتحارب الأحزاب التي تنادي بالوطنية والسيادة والاستقلال عن الدول الباقية، تعود وتتبنى أفكار هذه الأحزاب التي كانت منعزلة وتتكلم مثلها وتطالب بالحدود التي كانت تطالب بها وتريد المحافظة عليها. بيتر قشوع - لبنان - بريد الكتروني