تتسارع خطوات ليشا فوق آلة الركض المركونة في احدى زوايا الطابق السفلي من المنزل. وأقصى ما يمكنها فعله لم يدنُ بعد من الهرولة، هذا ما تصارحها به مرآتها الطويلة على الحائط المقابل، وهذا ما يفصح عنه جسدها العاجز بحجمه ووزنه امام اي حركة سريعة. كل خطوة فوق آلة ليشا يرافقها تردد يضاعف من وقع ارهاقها، والتردد مغر، يعد بالراحة، بالجلوس والتمتع بمشاهدة التلفزيون والتماهي مع خفة الاجساد التي تضجّ بها الشاشة. لكن الأمر لم يحتج الى اكثر من برنامج"فوتوشوب"ونقرات عدة على"الفأرة"على جهاز كومبيوتر احد الاصدقاء لاعادة انتاج صورة حوّلتها من"ليشا البدينة"الى اخرى سقطت عنها كل مظاهر السمنة، صورة اولية لعلّها تحذف ليشا يوماً من احصائيات اصحاب الوزن الزائد في الولاياتالمتحدة الاميركية. مجتمع "خامل" اذا كانت صورة ليشا المعدلة على جهاز الكومبيوتر شكلت حافزاً لممارسة الرياضة - وان كانت ممارسة فردية بعيدة من اي احتكاك اجتماعي - لم يجد المجتمع الاميركي برمته بعد ما يخرجه من صفة"مجتمع غير ناشط بتاتاًً"، بحسب دراسات كثيرة. وقد اطلقت المؤسسات الحكومية والرياضية والصحية منذ سنوات نداءات عدة حضت فيها المواطنين الاميركيين على نبذ"اسلوب الحياة الساكن"واستبداله بآخر"ناشط"، وهنا تكمن المشكلة. فالامر لا يتعلق فقط بممارسة التمارين الرياضية في المنزل او في النادي، كل المطلوب بداية القيام بأي نشاط يخرج"تلك الاجساد من خمولها"، وبالتالي ينقذ المجتمع من"بدانة"لم ينفع ناقوس الخطر الذي يقرع منذ سنوات في معالجتها. وقد اوجد معظم الدراسات رابطاً وثيقاً بين انخفاض نسبة النشاطات الرياضية والسمنة الزائدة. وذكرت احدى الدراسات الصادرة عن الاتحاد الطبي الاميركي ان حوالي 400 الف اميركي توفوا عام 2000 بسبب انعدام النشاطات الرياضية في ظل غياب اي نظام غذائي، ويشكّل هذا الرقم 16.6 في المئة من نسبة الوفيات في اميركا بشكل عام. وتحتل ولاية ميشيغن المرتبة 11 من بين الولايات التي تضم اكبر نسبة من أصحاب الوزن الزائد او المفرط والأقل ممارسة لأي نشاط رياضي. وهناك عوامل عدة تلعب دوراّ بارزاّ في انخفاض نسبة النشاطات الرياضية في اميركا عموماّ وولاية ميشيغن بشكل خاص. اذ غالباً ما تؤدي تقلّبات الطقس الى فشل التخطيط لأي نشاط رياضي خارجي معظم ايام السنة. فالطقس بارد، مثلج وقارس في الشتاء وحار، ماطر في الصيف. اما ارتياد النوادي الرياضية فلا يعتبر خياراً صالحاً للعديد من اصحاب الوزن الزائد من الرجال والنساء على حدّ سواء، وذلك خجلاً من مظهرهم النافر، وهذا ما يؤكده طوم، احد المدربين في نادي"فيتْنس يو اس آي"، لذلك وتفادياً لهذه المشكلة عمد النادي منذ العام 1950 الى تخصيص ثلاثة ايام في الاسبوع للنساء وثلاثة ايام اخرى للرجال، ليكون بذلك النادي الوحيد في الولاياتالمتحدة الذي يعتمد هذا التوزيع. لكن كيف يمكن تنبيه المواطنين من خطورة الوزن الزائد وضرورة اعتماد حمية غذائية ونشاطات رياضية اذا كان معظمهم لا يعترفون لأنفسهم بأنهم تخطوا الوزن الطبيعي... بكثير! جيل جديد... و"بدين" ومع بلوغ نسبة الراشدين من اصحاب الوزن الزائد 66 في المئة، اعلنت احدى الدراسات ان مختلف الولايات الاميركية فشلت في تحقيق هدفها في تخفيض هذه النسبة الى ما دون 15 في المئة عام 2010 عبر اتباع نشاط رياضي ونظام غذائي يومي. اما حجم النشاطات الرياضية المدرسية في الولاياتالمتحدة الاميركية فلا يدعو الى التفاؤل، إذ انخفضت نسبة الطلاب الذين يمارسون الرياضة يومياً من 42 في المئة عام 1991 الى 28 في المئة عام 2003، ليبلغ عدد الاولاد الذين يعانون من السمنة الزائدة والتي تراوح اعمارهم بين 6 و19 سنة، 9 ملايين بنسبة 16 في المئة. وبذلك يصبح هذا الجيل بحسب احدى الدراسات، الأول في اميركا الذي من المتوقع ان يسبق جيل آبائه في..."مفارقة الحياة"!