دخلت"أزمة الغاز"بين موسكو ومينسك في سباق مع الزمن قبل يومين على انتهاء المهلة المحددة لقطع إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عن الدولة الجارة، واستأنف الجانبان أمس، محادثاتهما الرامية إلى التوصل إلى اتفاق جديد على أسعار الغاز، فيما تتمحور الأزمة حول رغبة موسكو في امتلاك اكبر حصة ممكنة في شركة الغاز البيلاروسية، قبل أن يسبقها الغرب إليها، خصوصاً في حال حصول تغييرات في مينسك. في الوقت ذاته، أعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها من تصاعد الأزمة بين موسكو ومينسك وتأثير ذلك سلباً في إمدادات الغاز إلى القارة. وتحدث الناطق باسم المفوضية فران تيراديلاس ل"الحياة" عن"خطر حقيقي يتهدد إمدادات السوق الأوروبية بالغاز الروسي". وتشكل كميات الغاز التي تصدرها روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا نسبة 20 في المئة من الإمدادات إلى القارة في حين آن ال 80 في المئة الباقية تأتي عبر أوكرانيا. وتعد بولندا الأكثر تضرراً في حال انقطاع الإمداد عن طريق بيلاروسيا. وشهدت العلاقات بين روسياوأوكرانيا أزمة أدت في مطلع عام 2006 إلى اضطراب الإمدادات إلى بعض أسواق الاتحاد. وسيعقد ممثلو دول الاتحاد اجتماعاً استثنائياً الخميس المقبل، للبحث في آليات مواجهة خطر اضطراب إمدادات الغاز في فصل الشتاء. محادثات موسكو ومع بدء العد العكسي لانتهاء صلاحية الاتفاق الذي نظم إمدادات الغاز الروسي إلى بيلاروسيا خلال عام 2006، اتجهت الأنظار إلى محادثات الربع الساعة الأخيرة، بعدما وصل إلى موسكو أمس، وفد من وزارة الطاقة البيلاروسية. واستبق وزير الطاقة البيلاروسي اندريه جوكوف المحادثات الجديدة بالإعراب عن أمله في أن يتمكن الجانبان من توقيع اتفاق قبل حلول نهاية السنة. وقال إن الوفد"ذهب إلى موسكو ليوقع عقد توريد الغاز"، في إشارة إلى رغبة مينسك في إنهاء الأزمة وعدم السماح بتفاقمها. وكانت شركة"غاز بروم"المسؤولة عن صادرات الغاز الروسي أعلنت أنها لن تتراجع عن موقفها في شأن قطع إمدادات الغاز عن بيلاروسيا مع حلول رأس السنة إذا فشل الاتفاق. وأبلغت مصادر روسية مطلعة"الحياة"أن مسؤولاً رفيعاً جداً في الخارجية الروسية وجه أخيراً رسائل إلى شركة"غاز بروم"حض فيها على إبداء مرونة وعدم تصعيد الموقف، واعتبر انه"من الخطأ البالغ تكرار سيناريو أزمة الغاز مع أوكرانيا" قبل عامين، معتبراً أن ذلك يضر بسمعة روسيا الدولية. وكانت الأزمة بين روسياوبيلاروسيا تفاقمت بعدما وصلت المفاوضات حول اتفاق الغاز الجديد إلى حائط مسدود ، إذ أصرت موسكو على رفع أسعار الغاز المصدر إلى بيلاروسيا من 46 دولاراً للألف متر مكعب خلال العام المنقضي إلى 105 دولارات في السنة المقبلة ، فيما رفضت مينسك العرض الروسي وأصرت على حقها في شراء الغاز الروسي بالأسعار المحلية استناداً إلى مشروع الوحدة بين البلدين. وتشكل الأزمة الحالية أقوى اختبار لمواقف الطرفين حيال مشروع الوحدة الذي يجري الحديث في شأنه منذ السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ كان ملف الغاز تحول إلى عنصر خلافي في علاقات روسيا مع الحليف الأقرب إليها منذ بداية العام 2003 ، وكان الطرفان وقعا اتفاقاً قبل ذلك ينص على أن تشتري بيلاروسيا الغاز الروسي بحسب السوق الروسي الداخلي أي ما يعادل 45 دولاراً للألف متر مكعب، في المقابل تبدأ مينسك بإنشاء شبكة أنابيب غاز مشتركة لتوصيل الغاز الروسي إلى أوروبا تكون قاعدتها الأساسية خطوط الإمداد القائمة حالياً التي تعود ملكيتها لشركة"بيل ترانس غاز"الحكومية البيلاروسية، وبحسب الاتفاق فإن 49 في المئة من اسهم هذه الشركة يجب أن تنتقل ملكيتها لروسيا. لكن موسكو أعلنت بعد ذلك أن الجانب البيلاروسي لم يلتزم بالاتفاق وأصرت على حقها في رفع الأسعار بما يتناسب مع الأسعار العالمية. وأعلنت في البداية أنها ستطلب 200 دولار للألف متر مكعب ثم طرحت حلاً وسطاً أخيراً يقضي بأن تدفع مينسك 105 دولارات للألف متر مكعب منها سبعون دولاراً نقداً والباقي بأسهم شركة"بيل ترانس غاز". ويشير محللون إلى أن مماطلة مينسك في تنفيذ الاتفاق سببها المخاوف من هيمنة الشركات الروسية الكبرى على القطاعات الاقتصادية المهمة في بيلاروسيا ، علماً بأن مينسك لم تقم بعمليات خصخصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما زالت القطاعات الاقتصادية الأساسية بيد الحكومة ، ويقول البعض أن مطلب"غاز بروم"بالسيطرة على خمسين في المائة من اسهم"بيل ترانس غاز"سيشكل خطوة أولى نحو اجتياح قطاعات حيوية أخرى في بيلاروسيا ، أما في الجانب الروسي فلا يخفي كبار رجال المال والصناعة حرصهم على دخول السوق"البيلاروسية"قبل وصول الرأسمال الأوروبي إليه". ويعتبر محللون أن طبيعة تسوية الأزمة الحالية ستحدد شكل التطورات المستقبلية للعلاقة بين الدولتين.