نجح برنامج"العاشرة مساء"الذي تبثه قناة"دريم"الفضائية من السبت الى الأربعاء كل أسبوع في جذب الأنظار، اذ تحول الى"دفتر أحوال للشارع المصري"ومرآة يمكن أن تطالع فيها تناقضات المجتمع بما فيه من زخم وتحولات. كما نجح البرنامج في كسب احترام مختلف التيارات السياسية والفكرية بعدما اتخذ لنفسه مساراً مهنياً مميزاً، أبدى فيه مستوى عالياً من الاستقلالية والجرأة في طرح الملفات المثيرة التي تتجاهلها غالباً برامج التلفزيون الحكومي، كما تتجاهلها الصحف الرسمية او تسعى الى"تلوينها"على رغم كونها مادة رئيسة من مواد الصحف المستقلة. نجحت جرأة"العاشرة مساء"في استقطاب كثيرين من جمهور برنامج"القاهرة اليوم"الذي تبثه قناة"الأوربت"، وكان قبل سنوات البرنامج الأول في التعاطي مع مثل هذه الملفات، ما جعل أنصاره ينظرون الى برنامج"العاشرة"في بداياته وكأنه ليس سوى صورة مستنسخة من برنامج"الأوربت". لكن سرعان ما تجاوز"العاشرة"مسألة"الاستنساخ"، ومضى باتجاه التفاعل مع المد الجماهيري الذي قادته الجماعات الداعية الى التغيير في مصر قبل نحو سنتين، كما راهن على تقارير اخبارية مصورة تتجاوز النطاق الجغرافي لمدينة القاهرة يعدها ويقدمها مجموعة من الوجوه الشابة. كذلك تحرك البرنامج في هامش أوسع من الذي يتحرك فيه برنامج مماثل بدأت قناة"المحور"المصرية بثه منذ شهور تحت عنوان"90 دقيقة"ويقدمه معتز الدمرداش ومي الشربيني، فعلى رغم خبرة كليهما في الفضائيات العربية الا أن البرنامج اتسم بطابع محافظ وتقليدي بدا منسجما مع سياسات"المحور"التي تبدو في غالبية برامجها أقرب ما تكون الى قناة"ظل"للقنوات الحكومية المصرية التي تؤثر السلامة وتتجنب الخوض في الملفات السياسية والاجتماعية الشائكة التي تشكل الملعب الرئيس لپ"العاشرة مساء". والأكيد أن جانباً كبيراً من نجاح البرنامج يعود بالأساس الى الحضور المميز لمقدمته منى الشاذلي التي ظهرت في صورة مغايرة لمذيعات التلفزيون في مصر. فهي صاحبة طلة هادئة تخلو من بهرجة الاستعراض والمكياج الصاخب، كما تسعى ما أمكن الى الإلمام بالقضية التي تناقشها من دون ان تخفي انحيازها لهموم المواطن المصري، اذ لا تكف - كلما أتيحت لها الفرصة - عن التحرش الساخر بالنظام الحكومي الرسمي كما أن طاقم الإعداد يوفر لها أسماء"دسمة"من الضيوف المحسوبين على قوى المعارضة أصحاب الخبرة في اصطياد المسؤولين الحكوميين والإيقاع بهم على الهواء مباشرة. ومن هؤلاء قيادات حركة كفاية وجماعة"9 مارس"الداعية الى استقلال الجامعات المصرية، فضلاً عن قيادات حركة الاخوان المسلمين وممثلي أحزاب المعارضة المصرية ومفكرين وكتاباً مثل جلال أمين وبهاء طاهر وفهمي هويدي وصلاح عيسى وصافي ناز كاظم والشيخ يوسف القرضاوي ومحمود عوض ومحمد أبو الغار، اضافة الى المستشارة نهى الزيني التي لعبت دوراً رئيساً في الكشف عن وقائع تزوير في الانتخابات البرلمانية التي أجريت السنة الماضية. و طالما ان"الإثارة الواعية"هي رهان البرنامج بدا من المقبول اللجوء احياناً الى نزعة"تعبوية"لعلها تفسر الشعبية الكبيرة التي ينالها في"المدونات الإلكترونية"المنتشرة في أوساط قوى المعارضة المصرية لا سيما مدونات"علاء ومنال"وپ"الوعي المصري"وپ"مالك"وپ"محاورات المصريين"، وهي مدونات فجرت الكثير من القضايا التي عالجها البرنامج لا سيما أزمة نادي القضاة وپ"التحرش الجنسي بالفتيات في وسط القاهرة"وأخيراً قضية"ميليشيا طلاب الاخوان المسلمين في جامعة الازهر"التي تنظر فيها نيابة أمن الدولة في مصر حالياً، وكان"العاشرة مساء"قد انفرد ببث شريط فيديو بالواقعة التي أثارت الضجة. ومن العلامات الأخرى التي تميز البرنامج التقليد الذي سنه في حلقة الاربعاء، والتي تخصص أسبوعياً لضيف"استثنائي"في مجاله. وعبر هذا التقليد استضاف البرنامج وجوهاً كانت على خصام مع الفضائيات وتعاني من التهميش. وأخيراً تبدو الميزة الرئيسة في برنامج"العاشرة مساء"كونه التفت الى ظاهرة تشكل مفتاحاً رئيساً لفهم الكثير مما يحدث في مصر الآن وهي مسألة"الكيانات البديلة"التي تقوم الى جوار مؤسسات الدولة، لكنها تلعب دوراً تعويضياً بأمل الاحتجاج"الرمزي"لمواجهة الترهل الذي تعانيه مؤسسات النظام. وعلى رغم هذه المميزات تظل منى الشاذلي في حاجة الى اختصار مقدمات حلقاتها الطويلة نسبيا بما يكشف عن خلل مهني واضح، كما أن العناية بالسلامة اللغوية عند قراء التقارير الاخبارية في البرنامج ضرورية كي يحافظ على ما حققه من نجاحات.