كان الرئيس محمود عباس واضحاً في اعلانه فشل الحوارات مع حركة "حماس" لتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، لكنه توقف مطولا قبل الاعلان عن خطواته المقبلة لتحقيق هذا الهدف رفع الحصار بسبب الصعوبات الدستورية وغير الدستورية التي يواجهها في ظل سيطرة الحركة الاسلامية على المجلس التشريعي. فالرئيس عباس يقف بعد الحوار الذي استمر ستة أشهر، وحسب ما اعلن أول من امس في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، أمام عدد من الخيارات جميعه صعب، ونتائجه ربما تكون أسوأ على الفلسطينيين من استمرار الوضع الحالي. وحسب القانون الاساسي للسلطة الفلسطينية التي تعيش ازمة ازدواجية الرأس الرئاسة مع فتح والحكومة والتشريعي مع حماس، فان خيارات عباس تنحصر في: اقالة الحكومة وتشكيل حكومة بديلة، او الدعوة لانتخابات مبكرة، او اجراء استفتاء شعبي، او اقامة حكومة طوارئ، او حل المجلس التشريعي. وفي جميع هذه الخيارات تبدو الكلمة النهائية لحركة"حماس"الحائزة نحو ثلثي مقاعد المجلس التشريعي، السلطة التشريعية والرقابية الاعلى في السلطة، ما يقيد يدي عباس في خطواته وخياراته المقبلة ويجعلها محصورة في استئناف الحوار، حتى لو بدا من دون افق او نهاية. فإقالة الحكومة، وهو امر من صلاحيات الرئيس، ممكن وسهل، لكن غير الممكن وغير السهل هو تشكيل حكومة جديدة من دون مشاركة او موافقة"حماس"صاحبة الغالبية البرلمانية. ويقول الناطق باسم"حماس"اسماعيل رضوان:"يمكن للرئيس ان يشكل حكومة جديدة، لكنه لا يستطيع منح الشرعية لاي حكومة جديدة لان حماس ستحجب عنها الثقة". اما الخيار الثاني، الدعوة لاجراء انتخابات مبكرة، فيبدو اكثر صعوبة من سابقه لسببين الاول هو ان استطلاعات الرأي تشير الى ان"حماس"ستتفوق على"فتح"في اي انتخابات جديدة، والثاني ان"حماس"سترفض"الانقلاب"على نتائج الانتخابات، وربما تعلن العصيان المدني، في غزة على الاقل، وقد تذهب بعيدا وتهاجم مراكز الاقتراع، ما ينذر بوقوع ضحايا، وربما اندلاع شرارة حرب بدت مؤجلة بين الجانبين. اما حكومة الطوارئ، فان النظام الاساسي للسلطة يضع قيودا على الرئيس في تشكيلها، اهمها موافقة المجلس التشريعي على تمديد عمل الحكومة بعد مرور شهر على تشكيلها، ما يجعل الرئيس في حاجة الى اتفاق مع"حماس"في شأنها. وثمة من يطرح حل المجلس التشريعي من بين الخيارات، وهو امر لا يقع ضمن صلاحيات الرئيس. اما الخيار الوحيد الممكن دستوريا امام عباس، فهو اجراء استفتاء شعبي، لكن نتائج هذا الاستفتاء تعيده الى الخيارات السالفة الذكر. فالرئيس يمكنه ان يلجأ الى استفتاء الشعب على تشكيل حكومة وحدة، او برنامج منظمة التحرير، او اجراء انتخابات مبكرة، غير ان نتائج هذا الاستفتاء ستعيده من جديد الى الشعب، وهو امر غير مضمون النتائج لحركة"فتح"التي لم تجر منذ خسارتها الانتخابات مطلع العام اي مراجعة او اعادة نظر وتصحيح لمسارها على نحو يعيد لها ثقة الجمهور المفقودة. وفي المقابل، تقف حكومة"حماس"عاجزة عن رفع الحصار وتوفير رواتب موظفيها المتأخرة منذ تسلمها الحكم قبل تسعة اشهر، من دون التوصل الى اتفاق مع الرئيس المقبول من المجتمع الدولي. ويراهن بعض قادة"حماس"على بوادر انفتاح دولي على الحركة، لكن الادارة الأميركية المسيطرة على قنوات التحويلات المالية الدولية، تشترط عدم رفع الحصار عن الحكومة من دون قبولها الشروط الثلاثة التي وضعتها اللجنة الرباعية، وهي: الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف والمصادقة على الاتفاقات السابقة، ما يجعل هذا الاحتمال بعيدا في الزمن المنظور. وهذه المرة الثالثة التي يلوح فيها الرئيس عباس باللجوء الى"خيارات أخرى". وذهب احد مساعديه ياسر عبد ربه الى حد الاعلان ان"المرحلة المقبلة ستشهد خطوات سياسية غير مسبوقة". غير ان الصعوبات الدستوية وغير الدستورية التي تقف في طريق الرئيس وامام استمرار عمل حكومة"حماس"، تُرجح عودة الجانبين الى الحوار. وكان اكثر من مسؤول في حركتي"فتح"و"حماس"اعلن ان الحكومة ستشكل قبل نهاية الشهر الماضي بعد ان قطعت الحوارات بينهما شوطا طويلا. ويقول مشاركون في الحوار انه توقف عند وزارتي المال والداخلية. ويبدي الرئيس تمسكه باقتراح يدعو الى تولي شخصيات مستقلة الوزارات الثلاث السيادية، وهي المال والداخلية والخارجية، لتتمكن الحكومة من رفع الحصار. وحسب المشاركين، اقترح عباس ان يتولى سلام فياض وزارة المال وزياد ابو عمرو الخارجية وكمال الشرافي الداخلية. اما"حماس"، فتقول انها متمسكة بوزارتي الداخلية والمال على الاقل، مطالبة عباس بأن يتولى توفير ضمانات اميركية برفع الحصار عن الحكومة الجديدة قبل تشكيلها. ويقول مقربون من الحركة انها ربما تقبل في النهاية حلا وسطا يحيل المال الى شخصية مستقلة، فيما تبقى الداخلية بيد احد رجالاتها.