ظل الصراع بين حركتي "فتح" و "حماس" المتنازعتين على السلطة في الاراضي الفلسطينية حتى وقت قريب يسير ضمن ضوابط، لكن مقتل الاطفال الثلاثة ابناء الضابط في جهاز المخابرات الموالي لحركة "فتح" بهاء بعلوشة الاثنين أشعل موجة عنف واسعة يرى فيها كثيرون بداية لتفجر صراع مسلح واسع بين الحركتين. وتعززت هذه المخاوف مع اقدام مسلحين مجهولين على اغتيال القاضي بسام الفرا الذي يعتبر من قادة"كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة"حماس"في بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وفيما اتهمت"حماس"ما تسميه"فرقة الموت"المرتبطة بجهاز الامن الوقائي بالمسؤولية عن قتل الفرا، قالت حركة"فتح"ان الاغتيال جاء على خلفية الأخذ بالثأر. وما ان شاع نبأ مقتل الاطفال الثلاثة، حتى استعد مقاتلو"فتح"لردود اتخذ بها البعض الطابع المنظم والبعض الآخر الطابع العشوائي. وفي الساعات الاولى لشيوع النبأ نزل عشرات المسلحين التابعين للحركة الى الميادين العامة في رام الله ونابلس وغيرهما من مدن الضفة وغزة وهم يطلقون النار بصورة بدت جنونية في اشارة الى حجم الغضب الناجم عن مقتل الاطفال. واطلق بعضهم صيحات غضب مطالبا بالقصاص من قادة"حماس"في الضفة الذين لا يتمتعون بحماية مماثلة لتلك التي يتمتع بها قادة الحركة في غزة. وفي الساعات التالية بدأت اعمال عنف منظمة: ايقاف احد كوادر"حماس"في جنين واطلاق سبعة أعيرة نارية على ساقيه. اطلاق النار على مجموعة من انصار"حماس"في رام الله وهم يضعون ملصقات على الجدران واعمدة الكهرباء واصابة احدهم. وبدأت ملامح صراع مسلح بين"فتح"و"حماس"منذ فوز الثانية في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني يناير الماضي وصعودها الى رأس النظام السياسي للمرة الاولى منذ تأسيسه على ايدي قادة"فتح". وشمل هذا الصراع عمليات اغتيال واغتيال مضادة تركزت في قطاع غزة حيث نجحت"حماس"، في سنوات الانتفاضة الست الماضية، في بناء قوة عسكرية تفوق عددا وعدة قوة حركة"فتح"صاحبة الاجهزة الامنية المتداعية و"كتائب شهداء الاقصى"المفتتة الى مجموعات صغيرة متنازعة الولاءات. وتتهم"فتح"الحركة الاسلامية بأنها اغتالت هذه السنة نحو 70 من كوادرها وعناصرها في القطاع، مستخدمة مجموعات موالية لها لتنفيذ العمليات، وتتنصل منها عندما تتضح معالمها. كما تتهم"حماس"حركة"فتح"باغتيال عدد من خيرة كوادرها في القطاع، بينهم عضو المكتب السياسي يوسف ابو عجوة والقاضي الفرا وكوادر في"كتائب عز الدين القسام". وتتأثر عمليات الاغتيال والاغتيال المضاد طرديا بالاجواء السياسية السائدة بين الحركتين. فتشهد هذه العمليات تزايدا في اوقات التوتر والتحريض السياسي وتراجعا اثناء الحوارات التي تهدف الى تشكيل حكومة وحدة وطنية. ويُتوقع ان يكون للخطوات السياسية التالية التي يستعد الطرفان لاتخاذها تأثير مباشر في الصراع المسلح القائم بينهما. ففي حال اتخذ الرئيس محمود عباس قرارا باجراء انتخابات مبكرة يعتقد بأن هذا الصدام سيتخذ منحى جديدا اقرب الى الحرب الاهلية بين الحركتين. اذ يتوقع ان تقاطع"حماس"هذه الانتخابات وتعتبرها انقلابا على السلطة. وتتهم الحركة عددا من ابرز قادة"فتح"بالوقوف وراء ما تسميه"الانقلاب على الشرعية". ويتوقع مراقبون ان تلجأ الحركة الى عمليات عنف ضد من تسميهم"الانقلابيين"لافشال هذه الانتخابات. وفي الجانب الآخر يتوقع ان ترد"فتح"على عمليات من هذا النوع ما يؤدي الى توسيع دائرة العنف بينهما. ويُرجح ان يصرف الرئيس محمود عباس نظره عن الانتخابات المبكرة خشية من نتائجها ومضاعفاتها وخصوصاً للشكوك التي تحيط بدستوريتها. وتبعا لذلك يتوقع خبراء ومراقبون ان يلوح بالانتخابات المبكرة من دون ان يلجأ إليها.