"الإنسان، بطبيعته، محب للعمل"، قول يثير الجدل بوجود من "يعشق" الكسل. ولكنه يشير الى ان الإنسان والعمل في حال من التقارب. حال يعكّرها"جو"الزملاء والرؤساء... وأحياناً"جو"المنزل والزوجة... من دون ان يخفف ذلك من الرغبة فيه. وهي رغبة"عارمة"تدفع بموظف يترك منصباً الى البحث فوراً عن عمل آخر، لكسب العيش. فمن يعمل يأكل! والعمل شرط لتوفير الطعام الذي يضمن استمرار الإنسان في الحياة. وعن هذا الواقع تنشأ حقيقة تتعلق بظروف العمل بحد ذاته. فالغاية منه هي الإنتاج. وهكذا، يمكن اعتبار ما ينشأ عن العمل مكافأة معنوية لمن حقق الغرض منه، ألا وهو المنتَج النهائي. وفي هذه المكافأة تأكيد على مقدرة"العامل"ومعيار لتحديد موقع هذا الأخير في ترتيب المسؤوليات وسلّم المكافآت. إذاً، النجاح هو ضامن الوظيفة. وحول مسألة"النجاح"طرفة حصلت مع صديق كان يعمل في إحدى الجامعات الخاصة في لبنان واسمه جورج. ذات يوم، ذهب جورج الى مديره السيد فوزي وقال له:"جيد". فنظر السيد فوزي إليه وسأله عما يريد. فأكمل جورج:"جيد جداً وممتاز". ولدهشته، عاد السيد فوزي وسأله:"ما بالك يا جورج؟"فقال:"ذهبتُ لأسجل ولدي في السنة الدراسية الجديدة فأعطوني ورقة عليها ارقام. فأعدتُ الورقة الى الموظف في المدرسة، قائلاً:"جيد وجيد جداً... وممتاز". وهي العبارة التي يرددها السيد فوزي دائماً على مسمع جورج وزملائه. وما كان من ذلك الموظف إلا ان دفع بالورقة ذات الأرقام أي الفاتورة طالباً من جورج تسديد كل رقم فيها لتتمكن تلك المؤسسة التربوية من تأمين العلم لولده. وها هو جورج امام السيد فوزي ليرد له عبارته"جيد وجيد جداً وممتاز". "لا أريدها"قال جورج."افضّل عليها اجراً مادياً لأستمر أنا وعائلتي". الغاية من هذه الرواية - الطرفة التشديد على ان كلمات التقدير وحدها لا تكفي. هو من طبيعة البشر، أغنياء وفقراء، ان يكافحوا لتأمين القوت والمأوى. وفي عصر السرعة والعلوم، يترتب عليهم تأمين النقل والصيانة والطبابة وباقي الأشياء الطارئة... وعلى السيد فوزي ان يراعي كل ذلك، على الأقل، بالكف عن توزيع عبارته الشهيرة على الموظفين. فلجورج وأمثاله الحق في ان ينعموا بالعيش المريح وأن يتمتعوا بحياة عائلية سعيدة. ولهم الحق - قبل الواجب - ان يؤمّنوا حضورهم في المنزل، ومشاركة الزوجات في الاهتمام بشؤون العائلة والمنزل. ومن غير اللائق ان يمضي العمال ساعات طوال في العمل بعيداً من العائلة حتى ولو كان عملهم"جيداً وجيداً جداً... وممتازاً".