تأتي الجهود الكبيرة التي تبذلها الحركة الإسلامية داخل"إسرائيل"بقيادة الشيخ رائد صلاح في سياق الدفاع عن عروبة المدينة المقدسة، وعن أوابدها وتراثها ومقدساتها العربية الإسلامية والمسيحية، خصوصاً في ظل أعمال الحفر السرية تحت وحول المسجد الأقصى، والتي تواصل القيام بها أطراف صهيونية تحت غطاء سلطات الاحتلال. وتشكل أعمال الحفريات المشار اليها، بحثاً عن"الهيكل"خطورة بالغة، إذ انها تستهدف تفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد وقبة الصخرة لتركهما قائمين على فراغ يجعلهما عرضة للانهيار والسقوط. فالحفريات أسفل المسجد الأقصى بدأت بعد الاحتلال الكامل للمدينة المقدسة عام 1967، ومرت بعشر مراحل مختلفة: 1 - المرحلة الأولى اذ هدم الاحتلال حي المغاربة نهائياً لتكون الأرض جاهزة لأي أعمال حفر وتنقيب. واستمرت الحفريات في هذه المرحلة سنة كاملة، وصل عمقها الى 14 متراً. 2 - في المرحلة الثانية استمرت أعمال الهدم في الأحياء الإسلامية مع إجلاء سكانها العرب. وفي هذه المرحلة حدث حريق المسجد الأقصى عام 1969، وأقيم في تلك الفترة المعاهد والمدارس والاستراحات والفنادق وغيرها فوق أنقاض الأبنية العربية، وجرت الحفريات على امتداد 80 متراً حول السور. 3 - المرحلة الثالثة كانت بين العامين 1970 - 1972 حيث بدأت بشق الأنفاق تحت أسوار المسجد الأقصى من جانبها الجنوبي والغربي حتى نفذت الى الأرضية الداخلية تحت ساحة المسجد، وشملت هذه المرحلة الاستيلاء على أبنية إسلامية كثيرة منها المحكمة الشرعية. 4 - أما المرحلة الرابعة فكانت عام 1973 وخلالها اقتربت الحفريات من الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وتغلغلت مسافة طويلة تحته، ووصلت أعماقها الى أكثر من 13 متراً. 5 - وتوسعت الحفريات في المرحلة الخامسة عام 1974 تحت الجدار الغربي. 6 - المرحلة السادسة بين عامي 1975 - 1976، حيث تعمقت الحفريات، وازال المحتلون خلالها مقبرة للمسلمين. 7 - المرحلة السابعة عام 1977 إذ وصلت الحفريات الى أسفل مسجد النساء داخل الأقصى، وتمت خلالها موافقة لجنة وزارية اسرائيلية على مشروع بضم الأقسام الأخرى من الأراضي المجاورة للساحة وهدم ما عليها بعمق 9 أمتار. 8 - وفي المرحلة الثامنة عام 1979 بدأت حفريات جديدة تحت الجدار الغربي قرب حائط البراق الذي يسميه الاسرائيليون"حائط المبكى"وشق نفق واسع طويل تقرر الاستمرار فيه حتى يخترق المسجد الشريف من شرقه الى غربه، وتم تحصين هذا النفق بالاسمنت المسلح وأقيم كنيس صغير يهودي افتتح رسمياً من قبل رئيس دولة الاحتلال. 9 - أما في المرحلة التاسعة خلال عام 1986 استمرت الحفريات من جانب، وتم اجلاء أعداد كبيرة من السكان من القدس القديمة، وأغلقت سلطات الاحتلال مشفى فلسطين داخل البلدة. - 10 المرحلة العاشرة بدأت منذ عام 1989 وما زالت إلى الآن، مع ما رافقها من هبة نفق الأقصى. وفي سياق العملية الاستعمارية الإجلائية التهويدية الجارية فوق الأرض الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 خصوصاً في منطقة القدس، تأتي عملية المضايقات التي مارستها سلطات الاحتلال منذ العام 1967 بحق المواطنين الفلسطينيين من أبناء الطوائف المسيحية، حيث تقلصت أعدادهم في شكل مذهل، كما هي الحال مع مجمل أبناء المدينة من الفلسطينيين. والآن، يبلغ عدد المسيحيين في المدينة المقدسة وقسمها الشرقي وفقاً لآخر إحصاء نحو عشرة آلاف نسمة وكان عددهم عام 1967 زهاء خمسة وعشرين ألف نسمة، وفي عام 1948 زهاء 175 ألفاً، هذا التناقص في أعداد المسيحيين العرب الفلسطينيين في القدس، يعزى الى هجرة الكثيرين منهم بفعل معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة في مواجهة الغزو الصهيوني وخصوصاً بعد حربي 1948 و1967، إضافة الى المعاناة الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني بمجمله وبجميع طوائفه من سياسات الاحتلال، وبحسب مصادر بعض المطارنة الفلسطينيين في القدس، فإن أعداد المسيحيين الفلسطينيين سترسو مع نهاية العام 2006 على عدد لا يتجاوز 2000 نسمة، ولم تشهد أعداد المسيحيين الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية كبيت لحم وبيت ساحور ورام الله تناقصاً مثيلاً في نسبته العالية لما شهدته وتشهده مدينة القدس العربية. والأسباب تعود بجوهرها لسياسات الاحتلال ودوره في خلقه معاناة كبرى أمام سكان القدس من مسلمين ومسيحيين لدفعهم الى الرحيل. فالمسيحيون الفلسطينيون الذين كانوا يشكلون 20 في المئة من الشعب الفلسطيني حتى عام 1948، اصبحوا يشكلون الآن 2 في المئة فقط من سكان فلسطين التاريخية: غزةوالقدسوالضفة الغربية واسرائيل معاً. فقد اضطر 37 في المئة من المسيحيين الفلسطينيين للهجرة عام النكبة، وأدت سياسة التهويد التي مارستها سلطات الاحتلال الاسرائيلي الى اجتياح عدد من المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية أيضاً. وكان دير الآباء البنديكت في جبل الزيتون في القدس أول دير يحتله الاسرائيليون، ومنه قصفوا دير الأرمن الارثوذكس بمئة قنبلة مورتر في 17 أيار مايو 1948 من ذلك العام فقتلوا ثمانية من الرهبان وأصابوا 120 شخصاً آخرين. * كاتب فلسطيني - دمشق