سوف تظل الدماء تنساب على جدران المسجد الأقصى وقبة الصخرة وحائط البراق لاسيما بعد أن تولى بينيامين نتانياهو ومعه أفيجدور ليبرمان مقاليد الأمور في إسرائيل ومن ثم فإنه لابد من تدخل حاسم من الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما للوفاء بوعده في إقامة علاقات متوازنة بين الولاياتالمتحدة من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، فهو يعلم أن المسلمين لا يمكن أن يفرطوا في حقوقهم المقدسة التي أمرهم الله بالحفاظ عليها مهما كانت التضحيات ومهما بلغت الخلافات بينهم، فكيف يفرطون في أولى القبلتين وثالث الحرمين لاسيما أنه لا يوجد خلاف بين السنة والشيعة، أو الإيرانيين والعرب، أو الأكراد والأتراك على حتمية تحرير المسجد الأقصى من أيدي الصهاينة. وقد عاش بها العرب والمسلمون في القدس منذ فجر التاريخ، ثم استعمرها الرومان، وغزاها الصليبيون، واحتلها الإنجليز، ثم جاء الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ليظل متشبثاً بأراضيها إلى يومنا هذا منذ عام 1948، ثم جاء احتلال القدسالشرقية عام 1967 هذا الاحتلال الذي مارس ضد أهلها كافة صنوف الاضطهاد والانتهاكات لحقوق الإنسان والقوانين الدولية والتمييز العنصري. وقد شهدا المسجد الأقصى حريقاً هائلاً منذ أربعين عاماً كان بمثابة حلقة في سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية على هذه البقعة المقدسة، وكان سبباً لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بهدف تعزيز التعاون والتضامن بين الدول الإسلامية على كافة الأصعدة للحفاظ على الأراضي الفلسطينية، وهي المنظمة التي حذرت في القمة العربية الأخيرة بالدوحة من تهديد لمدينة القدس نتيجة ما تتعرض له من طمس للمعالم العربية والإسلامية، وهدم للمنازل، وتشريد ما يزيد على ألف وخمسمائة من أبناء فلسطين مما يعد خرقاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة التي لا تجيز العبث أو تغيير الواقع العمراني لسكان الأراضي المحتلة. وتعد الحفريات التي تتم تحت المسجد الأقصى، والتي تعد تهديداً لكيان هذا الحرم بهدف بناء كنيس يهودي في الساحة الواقعة بين الحرم القدسي وحي المغاربة، وبناء متحف باسم التسامح على أنقاض مقبرة تاريخية هناك، وقد كشفت الوقائع والأحداث عن حجم الدمار الذي نجم عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً لإحداث المزيد من التخريب لهذه البقعة الإسلامية المقدسة. وفي الحقيقة أن السرطان الصهيوني الذي يقوده نتانياهو وليبرمان يلتهم كل يوم جزءاً من المدينة المقدسة، وهذا يعني أن أقدس مقدسات العرب والمسلمين تضيع من أياديهم وهم في غفلة أو في حيرة من أمرهم تمزق الخلافات أوصالهم، وتفتت الفرقة وحدتهم، وتغرق سفينتهم في هذا الوحل الذي أعده لهم المخطط الصهيوني، هذا في الوقت الذي نرى فيه الضمير الإنساني والعدل الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ضائعة كما أن الإدارة الأمريكية وكذا الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية غير قادرة على وضع الأمور في نصابها الصحيح بل إن الفيتو الأمريكي جاهز دائماً لوقف أي إدانة ضد إسرائيل. وقد انعقد أول مؤتمر صهيوني مسيحي دولي ضم أكثر من 600 من رجال الدين الصهاينة عام 1985، وقام هؤلاء المفكرون الصهاينة بأداء الصلوات من أجل قيام العاصمة الأبدية لإسرائيل في القدس الموحدة، واتفق هؤلاء جميعاً على الانتشار في الأرض لخدمة هذا المشروع الصهيوني وحمايته من أجل إرضاء الرب - كما يدّعون - ووضع هذه الحركة موضع التطبيق العملي خدمة للمشروع الصهيوني، وقد أسهمت الكتابات والصلوات والمواعظ في خلق جو ملائم لازدهار الصهيونية، وترسيخ الوجود الإسرائيلي في المدينة المقدسة، وفي هذا الإطار اقترح الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون تغيير رمز الولاياتالمتحدة ليكون على شكل أبناء إسرائيل لكي ينسجم مع النص الوارد في سفر الخروج، وقد جاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس ليرسخ الانتصار الإسرائيلي في حرب عام 1967، ويؤكد على النبوءات التوارتية، وهي الخطوة التي سوف يتبعها بناء هيكل سليمان في موقعه التاريخي القديم بعد هدم المسجد الأقصى الذي تحاك المؤامرات الإسرائيلية لهدمه، وتجري عمليات حفر الأنفاق أسفل هذا المسجد للبحث عن الهيكل المزعوم، وقد أصدر أورال روبرتس كتابه "دراما نهاية الزمن" وهو الكتاب الذي قال فيه الشعب الإسرائيلي، وهو شعب الرب يؤسس إمبراطوريته، كما أنتج القس "جراهام" فيلم "أرض الرب" الذي شاهده أكثر من 20 مليون أمريكي، وهو الكتاب الذي ذكر فيه الوعد الإلهي لبني اسرائيل بأرض فلسطين. هذا في الوقت الذي قامت فيه منظمة السفارة المسيحية الدولية بتنظيم مؤتمر بازل عام 1985، وهي المنظمة التي تم إنشاؤها عام 1980، وهو المؤتمر الذي حضره أكثر من 23 دولة للمشاركة في اجتماع عقد بمدينة القدسالمحتلة لتأكيد الدور المحوري لهذه المدينة المقدسة، وقد تم افتتاح قنصليات ومكاتب لهذه المنظمة في العديد من دول العالم ، وقد اتخذت هذه المنظمة مدينة كارولينا الشمالية مقراً لها مستهدفة من وراء ذلك الضغط على صناع القرار في مختلف دول العالم لمواجهة أية ضغوط تدعوها للانسحاب من القدسالمحتلة والأراضي الفلسطينية. وقد أصدر المجلس الأعلى لحقوق الإنسان في دورته العاشرة خمسة قرارات تدين الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان فوق الأراضي العربية المحتلة دفاعاً عن الحجر والبشر، ولا يكاد يمر يوم دون أن تفقد المدينة المقدسة جزءاً من هويتها العربية والإسلامية حيث يزحف أخطبوط التهويد عليها من كل جانب في محاولة لمسخ هذه الهوية، ولم يستطع هؤلاء السكان مواجهة هذا الأخطبوط لضعف قدراتهم في مواجهة هذه الحملات، فأحياناً يتم نزع ملكية المنازل والأراضي، وأحياناً أخرى يتم شراء البيوت بالخيانة والاحتيال، أو يتم إضعاف أساسات هذه البيوت بالحفر تحت الأراضي لتسقط على رؤوس أصحابها. ويرتبط اسم مدينة القدس بالمسجد الأقصى مشتملة على قبة الصخرة، كما تضم هذه المدينة المقدسة حوالي 200 مَعْلَمْ تقع ضمن حدود الأقصى ما بين حباني وقباب ومساجد وأروقه ومدارس ومحاريب ومنابر ومكتبات وأبواب وآبار ومآذن، وتبلغ مساحة المسجد الأقصى 144.000 متر مربع، ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة، على شكل مضلع غير منتظم، يبلغ ضلعه الشمالي 310 متراً، والجنوبي 281 متراً، والشرقي 462 متراً، والغربي 491 متراً. ويسيطر اليهود على الحائط الغربي للأقصى، وهو ما يطلقون عليه اسم حائط المبكى، وهو حائط البراق الذي قامت بسببه ثورة شعبية عام 1929 باسم ثورة البراق، وقد تم تشكيل لجنة دولية بعد هذه الأحداث أصدرت قرارات قاطعة بأن ملكية هذا الحائط تعود للمسلمين وحدهم، وتواجه القدس محاولات مستمرة لتهويدها بعد أن نجحت إسرائيل في محاصرة هذه المدينة بحزام من المستعمرات اليهودية. بعد أن تمسكت بمبدأ عدم العودة إلى حدود 4 يونية عام 1967 بعد العدوان عليها، وشرعت من أجل ذلك في وجود حقائق استيطانية بصورة مكثفة في المناطق العربية المحتلة حيث قامت بزرع العديد من المستوطنات وذلك لإزالة حدود ما قبل 1967 مؤكدة على التمسك بالقدس اليهودية عاصمة موحدة لإسرائيل، وجلبت ربع مليون يهودي من المهاجرين الجدد إلى هذه المدينة، وقد امتد خطر الاستيطان إلى ما وراء حدود القدس الحالية لتضم حدود رام الله وبيت لحم والخان الأحمر، ويوجد في القدس الآن ما يربو على 26 مستوطنة يهودية. وقد استهدفت إسرائيل منذ احتلالها للقدس عام 1967 وضع تخطيط جديد لربط شرق هذه المدينة بغربها، وهو المخطط الذي قامت بإعداده لجنة هندسية إسرائيلية عليا مكونة من 42 مهندساً وخبيراً دولياً لإضفاء الشرعية على ما تنوي تنفيذه، ويضم هذا المشروع حي باب العمود وحي الشيخ جراح وأجزاء من حي الصرارة ومصر ومصير وطريق يافا وباب الخليل والمنشية والمسكوبية وغيرها، وهي بمثابة مناطق سكنية تاريخية تشكل امتدادا للمدينة مستهدفة تغيير ملامحها وتشويه كامل لها تتوقف عمليات التهديد في خلال تنفيذ الحزام الأخضر. وهكذا تتصاعد عمليات التهويد من خلال إزالة الأحياء القديمة والمقابر التاريخية المحيطة بسور القدس، كما ركزت الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنات على منطقة الهضاب وراء حدود القدس الحالية لتكون خلفية للأحياء السكنية بحيث تتحول القدس العربية بأحيائها ذات الكثافة السكانية إلى جزيرة صغيرة محاطة باليهود من كل جانب. وقد حذر عبدالرحيم ريحان الباحث في الآثار الإسلامية من عواقب أعمال الخصر بصورة عشوائية، وهي الأعمال التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حالياً في مجمع عين سلوان، وهي أراضٍ تبلغ مساحتها 57 ألف متر مربع، وتبعد 300 متر من الزاوية الجنوبية الشرقية لسور المسجد الأقصى، وتحوي مسجد سلوان، ومسجد عين اللوزة، ومسجد بئر أيوب، ومسجد بلال بن رباح، ويرتبط تاريخ هذه المساجد بتاريخ القدس حيث شكلت مصدر المياه الأساسي منذ الفترة الكنعانية عبر قنوات بناها اليبوسيون، وهم بناة قنوات القدس الأصليون، ولا تزال آثارها قائمة حتى الآن، والعين عبارة عن نفق صخري تحت الأرض طولها 533 متراً يصل إلى بركة عين سلوان في الجهة المقابلة، والبيوت التي تريد إسرائيل هدمها يعود تاريخ بنائها للفترة من عام 1860 إلى عام 1920 قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس، ولاتزال عمليات الحفر مستمرة في عدة اتجاهات مما أدى إلى انهيار كبير بدعوى أن الهيكل المزعوم يقع شمال هضبة سلوان مكان المسجد الأقصى بطول 500 إلى 600 متر بهدف إنشاء مدينة سياحية يهودية تحت الأرض. ولا تزال الحفريات مستمرة مستهدفة انهيار المنازل الفلسطينية، وتشريد الآلاف من أبناء المنطقة حتى ينهار المسجد الأقصى ضمن خطة استيطانية لتهويد القدس، وطمس الهوية العربية الإسلامية بها، ويتضمن هذا المخطط هدم منازل الفلسطينيين في حي البستان، مما يتطلب ضرورة التدخل الفوري من قبل اليونسكو وجامعة الدول العربية لتطبيق القرارات الدولية، ومن أهمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2253) الذي يتضمن عدم القيام بأي أعمال تنقيب عن الآثار أو نقل هذه الممتلكات أو تغيير معالمها، والمحافظة على المواقع والمباني والآثار وغير ذلك من الممتلكات الثقافية، وقرارات منظمة اليونسكو رقم 342، 343 الخاصة بالمبادئ الدولية لأعمال الحفريات الأثرية، وتمكين دائرة الآثار الفلسطينية من الإشراف الكامل على آثار فلسطين، وتولي أعمال الترميم والصيانة والتوثيق الأثري لهذه الآثار. لقد آن الأوان لكي تدرك إسرائيل أن من حقنا أن نفتح سجلات وملفات جرائم الحرب التي ارتكبها منذ أن شنت هجمات عصابات الهاجانا والأرجون زفاي، ومذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وقانا إضافة إلى جرائم مثل دفن الأسرى العرب أحياء ودفنهم في الصحراء عام 1967، وأي حديث عن السلام والتعايش في غيبة من مراجعة كاملة لهذه الجرائم سوف يسفر عن نتائج سلبية وآثار مدمرة. الشرق القطرية