انفتاح توني بلير على سورية، غداة اغتيال بيار أمين الجميل، لفتة كريمة، على رغم توجه الشبهة الى دمشق. وقوله إن الحكومات من خارج المنطقة قد تسهم في الاستقرار، لفتة ثانية. وهذا خير من لا مبالاة الولاياتالمتحدة طوال السنوات القريبة الماضية. ولكن سورية وايران مقبلتان، ومعهما العراق على قدر أقل، على صوغ مستقبل المنطقة بمعزل مما تريده بريطانيا أو الولاياتالمتحدة. وفي ضوء توقيت الاغتيال ودوافعه، تتصدر دمشق وحليفها"حزب الله"لائحة المشتبه فيهم. فالجميل كان معارضاً التدخل السوري في لبنان، وأحد الوزراء الذين صوتوا لمصلحة متابعة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري. وكان ذلك يوم الاثنين، عشية الاغتيال، وينتزع اغتيال الجميل من الحكومة وزيراً، ويقربها من الانهيار وهو الهدف السوري المنشود. وكان سمير جعجع قال، يوم الجمعة السابق، إن السعي الحثيث في اطاحة الحكومة قد يحمل على اغتيال اعضائها. والحكومة، والبلاد عموماً، منقسمة بين تيار يؤيد الغرب، يقوده أنصار الحريري وبين"حزب الله"الذي تؤيدانه، بالمال والسلاح، سورية وايران. ويحاول هؤلاء عرقلة انشاء المحكمة الدولية، والحؤول دون توريطها سورية، وبعض قياداتها الرفيعة، وربما رأس الدولة نفسه. وعلى رغم تنديد الولاياتالمتحدة بمساعي سورية وايران على تقويض الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، نحى توني بلير منحى اختبارياً. فأوفد مستشاره السير نيجيل شاينوالد، الى دمشق ليرى عن كثب احتمال التعاون على تهدئة العراق. ودعا بلير أميركا الى مفاوضة سورية وايران على وقف العنف في العراق. وكانت سورية هدفاً أقرب منالاً من ايران، فالخلاف في صدد البرنامج النووي الايراني يعرقل المفاوضة، ويراود حلم فك التحالف بين سورية وايران، واعادة سورية الى الساحة العربية، الغرب منذ وقت طويل. وامتدح بلير، قبل اغتيال الجميل، ارسال سورية وزير خارجيتها، وليد المعلم، الى بغداد بعد قطيعة دامت 25 سنة. وقال:"ما نطمح اليه هو ضمان مساعدة سورية للعراق". لكن خطوة مثل هذه، اذا عادت بالفائدة على الحكومة الشيعية في بغداد، فما فائدتها على بريطانيا وأميركا؟ والمنطق الذي يقود الى طلب مساعدة سورية وايران واسهامهما في صوغ حل عراقي، لا يستقيم إلا لأن البلدين لم يتورعا عن تغذية العنف، وسعيا في احراج أميركا وتقوية انصار البلدين وخدام مصالحهما. وافتراض تراجع العنف لا يدعو البلدين الى التخلي عن مصالحهما والسعي في تغليبها. فالاستراتيجية الأميركية في العراق تفترض أن بغداد تشاركها أهدافها. ولكن خطأ الافتراض الأميركي يظهر للعيان يوماً بعد يوم. وعلى السيد بلير، المحاور العظيم، ألا يفترض أن الحوار مجدٍ لا محالة دوماً. ويحسن به ألا يفترض أن اشتراك سورية والعراق في مصالح واحدة قد يفيده بالضرورة. فالاغتيال كان تذكيراً بمبلغ عدوانية سورية ومناصريها. عن برونوين مادوكس، "تايمز" البريطانية ، 22 /11/ 2006