«التعليم»: إلغاء ربط العلاوة بالرخصة المهنية    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    القبض على باكستاني لترويجه 6.6 كلجم من الشبو بمنطقة الرياض    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    قسطرة قلبية عاجلة تُنقذ حياة رضيع في مدينة الملك سعود الطبية    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى استقلال بلاده    قمة مجموعة العشرين تنطلق نحو تدشين تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع    45.1% من سكان المملكة يعانون من زيادة الوزن    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    حسابات ال «ثريد»    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع سفير الصين    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    5 أعراض لفطريات الأظافر    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    تبدأ من 35 ريال .. النصر يطرح تذاكر مباراته أمام السد "آسيوياً"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    الله عليه أخضر عنيد    أعاصير تضرب المركب الألماني    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    لغز البيتكوين!    مجمع الملك سلمان يطلق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسبوع المقبل يدخل لبنان في مسيرة العراق . لماذا قتل الوزير الجميل قبل تظاهرة إسقاط حكومة السنيورة ؟
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2006

قبل ان تمارس شعوب دول الاتحاد السوفياتي السابق عمليات اسقاط الحكام بواسطة ضغط الحشود المضربة، كان لبنان أول دولة تدشن هذه الظاهرة السياسية سنة 1952.
ففي تلك المرحلة تعب اللبنانيون من تجديد ولاية بطل الاستقلال الرئيس بشارة الخوري، وقرروا اسقاطه في الشارع. ووجه رئيس الحكومة في حينه صائب سلام، كتاباً الى رئيس الجمهورية 17 ايلول - سبتمبر 1952 يطالبه فيه بالتنحي.
ونزولاً عند رغبة الشارع الغاضب الذي شل مختلف المدن، استدعى الرئيس قائد الجيش العماد فؤاد شهاب وعهد اليه بتشكيل حكومة موقتة، كما استدعى ناظم عكاري الى مكتبه ونص عليه كتاب استقالته.
واعُتبر ذلك الإضراب الشعبي أول اختبار لمدى نفوذ الشارع اللبناني وقدرته على اسقاط الحاكم.
الاختبار الثاني حدث سنة 1958 يوم حاول رئيس الجمهورية فؤاد شهاب ايجاد صيغة حكومية مشتركة تنهي ما تركته"الثورة"من آثار سلبية على سلامة الوحدة الوطنية، وعهد الى رشيد كرامي بتشكيل حكومة موسعة تضم ممثلي مختلف الأحزاب والتيارات المتصارعة.
ولأسباب تتعلق بالتمثيل الماروني وباعلان كرامي انتصار الثورة، فجر"حزب الكتائب"ما سُمي ب"الثورة المضادة". وبدأ الاضراب من بلدة بكفيا، ثم امتد الى الاحياء المسيحية في بيروت الشرقية، ليصل بعدها الى قرى الجبل في المتن وكسروان وجبيل.
وأمام تلك الضغوط الشعبية، اضطر كرامي الى إلغاء التشكيلة الحكومية الأولى واستبدالها بحكومة انقاذ وطني تألفت من رشيد كرامي وحسين العويني وبيار الجميل وريمون أده.
هذا الاسبوع دعا الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله، أنصاره وحلفاءه الى الاستعداد لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة لأنها في نظره، لا تمثل الوحدة الوطنية، وهدد بالنزول الى الشارع على ان يبقى الاضراب مفتوحاً حتى اسقاط الحكومة غير الشرعية وغير الدستورية. وفسر الوزراء هذه الخطوة بأنها إعداد لانقلاب سياسي يشبه الانقلابين السلميين اللذين اسقطا الرئيس بشارة الخوري سنة 1952 وحكومة رشيد كرامي سة 1958.
وانتظر المسيحيون تخلي العماد ميشال عون عن هذا الخيار لأن البطريرك نصرالله صفير عارض عملية اسقاط الرئيس اميل لحود بواسطة الشارع، كما طالب وليد جنبلاط. وتوقع البطرك الماروني الاعتراض على استخدام التظاهرات لاسقاط حكومة فؤاد السنيورة، على اساس احترام المواقف المتشابهة. وذكر ان الهدف من تدخل بكركي في ذلك الوقت، هو الحؤول دون وقوع صدام بين تيارين متعارضين وصلا الى طريق مسدود، علماً بأن السيد حسن نصرالله رسم الخطوط الحمر للتظاهرة وقال انها تحظر التصادم والفتنة الداخلية.
رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط وصف دعوة"حزب الله"إلى الاضراب المفتوح، بأنها انقلاب سياسي أمر بتنفيذه مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي. وردد جنبلاط ما قاله المرشد الأعلى عقب استقباله الرئيس نبيه بري، بأن اتحاد الاشقاء في"حزب الله"وحركة"أمل"يعزز الثقة بأن يكون لبنان مكاناً لهزيمة أميركا والكيان الصهيوني. ولكن السيد حسن نصرالله في خطابه يوم الاحد الماضي، نفى ان تكون لديه التزامات مع أحد، ما عدا التخلص من حكومة السفير الاميركي"فيلتمان". ومن هذا المنطلق، بدأ العد العكسي باستقالة الوزراء الشيعة للحيلولة دون عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بغرض مناقشة مسودة المحكمة ذات الطابع الدولي، وقرر"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"الطعن بأي قرار تتخذه حكومة فؤاد السنيورة بشأن المحكمة الدولية، استناداً الى النص الدستوري الذي يسقط الشرعية عن أي سلطة تناقض العيش المشترك.
في هذا الوقت حذر رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع، من محاولات اغتيال وزراء في الحكومة بهدف اسقاطها وقال ايضا ان سورية مصممة على منع انشاء المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المشتبه بهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
قبل التحضير لاتخاذ القرار الفاصل، واجهت المعارضة نقطة تجاذب بين خيارين: هل يبدأ العصيان باستقالة نواب 8 اذار... ام بالنزول الى الشارع الى حين اجبار حكومة فؤاد السنيورة على الاستقالة. وتبين بعد المراجعة ان استخدام الشارع يبقى الخيار المفضل، ولو ان البعض عبر عن مخاوفه من تسلل عناصر"طابور خامس"قد تستغل التظاهرة لاحداث شغب وفتنة.
اما المساوئ التي ظهرت من جراء الفراغ الدستوري الذي سيحدث بعد استقالة 57 نائبا من اصل 128، فقد تجلت باحتمال تدخل قوات"اليونيفيل"لوضع يدها على مؤسسات الدولة المنهارة وتسليمها الى الامم المتحدة، كما حصل في كوسوفو. وعليه تقرر اعلان الاضراب العام اليوم السبت، أي بعد انقضاء اجازة عيد الاستقلال. ثم حدثت عملية اغتيال وزير الصناعة بيار امين الجميل، الامر الذي شكل صدمة سياسية وانسانية داخل المجتمع اللبناني، وفتح نوافذ التهديد على اكثر من احتمال بواسطة اكثر من جهة.
واشارت اصابع الاتهام الى جهات عدة يهمها تعطيل النصاب القانوني لمجلس النواب، خصوصاً ان مكتب الوزير والنائب ميشال فرعون، تعرض للرصاص. وهذا ما دفع النائب وليد جنبلاط الى مطالبة زملائه بضرورة أخذ الحذر والحيطة لأن قرار الاغتيال سيطال اثنين آخرين.
والملفت في عملية اغتيال الوزير الجميل انها تمت على طريقة"المافيا"الامر الذي يشير الى دوافع الاستعجال كأن اوامر القتل والتنفيذ صدرت خلال يوم واحد. في حين ان جميع الذين تعرضوا للاغتيال منذ مصرع الحريري، قضوا عن طريق المفخخات أو العبوات الناسفة. وكشف التحقيق في هذا السياق ان المنفذين الثلاثة تصرفوا بمهارة فائقة وبسرعة مدهشة كأنهم تدربوا سابقا مع زملائهم الآخرين، على اتقان هذه العمليات. ويستنتج المحقق ان الجريمة ارتكبت في وضح النهار داخل المنطقة المسيحية، بغرض اشعار الزعماء ان اياديهم الطويلة يمكنها الوصول الى اي انسان في اي مكان.
بعض خطباء المأتم اتهم سورية بالوقوف وراء هذه العملية، لكونها تريد الغاء المحكمة الدولية. ولكن حدوث الجريمة قبل ساعات من اجتماع مجلس الأمن، شجع الأعضاء على الاسراع في اقرار مسودة المحكمة بالاجماع. وهذا ما استنكرته دمشق، لأن دعاة انشاء المحكمة في نظرها، هم الذين استفادوا من وقع الجريمة. في حين كشف السفير الاميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون، ان تقرير القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، يشير الى وجود اصابع سورية في عملية اغتيال الحريري، وان دمشق ستستخدم كل المحاولات من أجل تعطيل المحكمة.
في تعليقه على هذه الجريمة، اتهم الرئيس جورج بوش ايران وسورية بالعمل على ابعاد ظروف الأمن والاستقرار عن لبنان. وفي رأيه، انه يصعب على سورية فك تحالفها الاستراتيجي مع ايران مهما كانت الاغراءات. وكان بهذا الكلام يشير الى خيبة أمله من المبادرة التي قام بها صديقه وحليفه في حرب العراق توني بلير.
والمعروف ان رئيس وزراء بريطانيا يريد سحب قواته قبل انتهاء مدته. ولهذا ارسل الوسيط نايجل شاينوولد الى دمشق للتباحث بشأن مشاركتها في عملية ضبط الأمن ونشر الاستقرار قبل الانسحاب.
ولم تكن الاتفاقات التي عقدها الوزير وليد المعلم في بغداد سوى مقدمة لهذا التعاون. وترى جريدة"البعث"السورية ان الساحة اللبنانية مخترقة امنياً، وان هناك حضوراً استخباراتياً كثيفاً ل"الموساد"ولأجهزة دول كبرى. وقد لمحت الوزيرة بثينة شعبان في احاديثها الى شبكات التلفزيون ان اسرائيل تسعى الى نسف الجهد البريطاني، وأن اغتيال الوزير الجميل قد يكون جزءاً من هذه الاجراءات. وقد لمحت بعض القنوات العربية الى الزيارة التي قامت بها هذا الاسبوع الى لندن وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، في محاولة لثني حكومة توني بلير عن تأييد الدور السوري في العراق. وقالت ان بلادها تجلس فوق برميل البارود الفلسطيني، وأن الحلول المستعجلة تبدأ من القضية المركزية لا من قضية الأطراف.
في ضوء هذه التناقضات حول هوية القوى المنفذة لهذه الجريمة، برزت على الساحة اللبنانية مشاريع صدامات جديدة عبرت عنها صحيفة"ذي اندبندنت"في مقالة روبرت فيسك تحت عنوان:"حرب أهلية". وقال ما خلاصته ان رسالة الاغتيال كانت واضحة مفادها ان المأساة المقبلة ستحصد بمنجل العنف ما عجزت حرب 1975 - 1990 عن حصاده، خصوصاً ان تحضيرات المعركة الحاسمة ستبدأ بإعلان الاستقلال الثاني الذي حدده الرئيس أمين الجميل في خطابه أمام المشيعين، بأن ساعة اسقاط رئيس الجمهورية قد آذنت، وعلى الجهة الأخرى من ميدان القتال، تجري الاستعدادات للنزول الى الشارع يوم الخميس المقبل، مثلما وعد السيد حسن نصرالله، وتختصر معركته باسقاط حكومة فؤاد السنيورة بهدف تنظيف الجمهورية الثانية من نفوذ السفير فيلتمان. وهذا ما أكده المرشد الروحي علي خامنئي يوم قال ان لبنان سيكون موقعاً مثالياً لهزيمة اميركا واسرائيل.
وفي هذا السياق، يتردد الرئيس نبيه بري في عقد جلسة للمصادقة على المحكمة الدولية، كما ان رئيس الجمهورية يعتبرها باطلة وغير شرعية، وربما تتسابق الأحداث قبل ان يغير زعيم التيار الوطني الحر العماد عون موقعه في هذه المبارزة الصاخبة التي يمكن ان تكون نسخة معدلة عن الحرب الأهلية في العراق!
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.