استطاع الموسيقار اللبناني شربل روحانا أن يشقّ طريقاً فريداً من نوعه في عالم الموسيقى، في وقت قصير مخالفاً الثقافة الاستهلاكية الطاغية على أذواق الناس الفنية، فأضاف على اللون الشرقي رونقاً زهرياً وألّف مقطوعات موسيقية تعتمد على العود في شكل أساسي. وأصبحت ألحانه تحاكي الروح بقدر الجسد، من خلال مجاورة القديم للحديث، وتمازج الشرقي بالغربي. ويبدو أن مساعيه الشخصية لإحياء العود وجعله أكثر شبابية، لاقت نجاحاً كبيراً. خصوصاً أنه مؤلف منهج العود المعتمد لدى المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان. وقد تجلّى هذا النجاح في الحفلتين اللتين أحياهما وفرقته الموسيقية أول من أمس وأمس، على مسرح المدينة في بيروت، لمناسبة إطلاق أسطوانته الجديدة من إنتاج"Forward Productions". "خطيرة"عنوان لافت لأول عمل غنائي بالكامل يُصدره روحانا الذي تميّز بتأليف مقطوعات موسيقية"صامتة"بعيدة من النص الملحّن والأغنية في أعماله السابقة أمثال"صلة وصل"،"العكس صحيح"، وپ"مزاج علني"وغيرها. ولكن على رغم تجربته النادرة في كتابة الكلمات وغنائها استطاع أن يجمع في حفلتيه، بين جمهور شاب متعطّش إلى موسيقى عربية راقية تُشبهه وتحاكي لغته الأم، وجمهور مخضرم يحنّ إلى زمن محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي ومحمد القصبجي. فأطربهم في البداية بعزفه"غمزة"وپ"منارة"من أسطوانة سابقة، ثم غنى"عالروزانا"من التراث اللبناني التي أعاد توزيعها على طريقته الخاصة، لتُلوّح له أيادي الصبايا والشبان وتتمايل مع ألحانها الرؤوس"البيض". ومن التراث إلى أغنية"القهوة"التي أدّتها زينب زهر الدين وكتب كلماتها جاد الحاج، انتقلت الفرقة الموسيقية التي تحاور في ما بين كل من إيمان حمصي على القانون، إيلي خوري على الرق والدفّ، أنطوان ديب على الأوكارديون، أرتور ساتيان على البيانو، عبود السعدي على الباس، فؤاد عفرا على الدرامز، وخالد ياسين على الإيقاع، إلى جانب شربل روحانا على العود. وإلى جانب الأغنية العاطفية التي تناوب على أدائها كل من روحانا نفسه ونادر خوري وسليم اللحام في"خطيرة"،"سلامي معك"،"بحبّك"،"بدبّر حالو"، وپ"إنت والوتر"، تميّزت الحفلتان بتقديم ثلاث أغان نابعة من صميم المجتمع اللبناني الحديث. إذ سخر روحانا وفي شكل فكاهي في أغنية"بالعربي"من اللبنانيين الذين دمجوا في محادثاتهم بين العربية والفرنكوفونية والإنكليزية، حيث أراد للأغنية أن تبدأ ب"HI، كيفك، CA VA"؟!. كما انتقد الحال السياسية بأغنية"لشو التغيير"التي ألهبت القاعة بالتصفيق. ويبقى أن نتمنى على روحانا أن يُحسن اختيار المغنين الذين ينوي التعامل معهم، كي لا تخرق أصواتهم جمالية حفلاته. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الموسيقى التي يؤلّفها ويعزفها شربل روحانا لا تحتاج إلى وسيط الكلمة ليُترجمها كمقطوعة"زفاف"التي أظهر الفنان اللبناني من خلالها إبداعه من دون أن يتفوّه بأي كلمة. لذا يبدو منطقياً الطلب منه الإكثار من الموسيقى في عصر يضجّ بالكلمات!