تهافت زوار متحف الفنون التشكيلية في موسكو على أعمال للفنان الهولندي رامبرنت، في نهاية الأسبوع. وفي هذه الحال، يصعب شراء تذكرة دخول، والاقتراب من اللوحات وتذوّقها بهدوء ورويّة. لذلك، عملتُ بنصيحة صديقتي يوليا، وتسللت من عملي، منتصف الأسبوع، لمدة ساعتين استمتعت فيهما مرتين، الأولى بزيارة المعرض الراقي والثانية بلقائي يوليا التي لم أرها منذ وقت طويل. إلاّ أنني فوجئت باكتظاظ غير معهود في أيام الأسبوع، إذ صادف وصول سيل من الزوّار، جلّهم سياح أجانب وروس من مدن أخرى، ومنهم سيدات اصطحبن أطفالهن. لم أكد ألقي نظرة عاجلة على اللوحات المعلّقة حتى مددت يدي على الموبايل لإسكاته، فليس من اللائق خرق الهدوء الذي لفّ المكان، على رغم وجود الصغار خلافاً لإرشادات المتحف. همهمات تنطلق في أرجاء الصالة في ما يشبه أجواء مكان عبادة. الحركة البطيئة من لوحة الى أخرى. ويسهل سماع التعليقات الهامسة بين أصدقاء أو أفراد عائلة، تحمل إلى الآذان انطباعات تتركها لوحة ما. وثمة زوار يحملون دفاتر ويحرصون على الوقوف أمام كل لوحة لبضع دقائق، يدوّنون خلالها ملاحظات. لم استطع مقاومة فضولي عندما توقف شاب بقربي حاملاً دفتره، فاسترقت نظرة خاطفة إليه. وبدا لي أنه سجّل بعناية أسماء اللوحات وتاريخ كل منها وقصته بإيجاز. لكن ما لفتني ان بعض ما دوّنه كان من التعليقات والحوارات الخافتة التي دارت بين الزوار. تقتضي آداب زيارة المتاحف أن تقف باحترام أمام كل لوحة لبعض الوقت قبل الانتقال إلى لوحة، وقد يدور حديث حول العمل، لكن اللافت أن ما تناهى إلى مسمعي من حديث"زملاء"الزيارة، لم يقتصر على المعرض ولوحاته فحسب، بل تناول أيضاً أمور الحياة. وقد يكون هذا الأمر طبيعياً، فكثيرون مثلي ويوليا يجدون في زيارة المعارض والمتاحف فرصة للقاء الأصدقاء، أو لتكوين صداقات جديدة. وقد تكون القصة التي روتها يوليا لاحقاً خير دليل على ذلك، فهي تعاني منذ زمن من وحدتها، وقررت أن أفضل مكاناً للتعرّف بصديق جيد هو... المتحف. وروت أنها بينما كانت تجول في أحد المعارض لفتها شاب كان بقربها، ولم يكن يتأمّل اللوحات. كان يتأملها هي. فدار حوار بينهما تبادلا فيه أحاديث مختلفة، ولكنّها على ما يبدو من الطريقة التي تروي بها يوليا، أنها كانت أحاديث شيّقة وعلى مستوى عالٍ من الثقافة والاحترام. ثم انتهى وقت الزيارة، فودعها الشاب ومضى. لم يخطر ببال يوليا أن تستوقف ذلك الشاب وتدعوه إلى مزيد من التعارف، لكنها أيقنت، في ذلك اليوم، أن المتاحف خير أمكنة لتشكيل صداقات والتعرّف الى أشخاص لائقين.