لماذا يسعى البعض في لبنان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة؟ ما الهدف منها؟ وكيف ستكون آليّة عملها في ظلّ الانقسامات الحادّة؟ إن حكومة وحدة وطنيّة تقوم على قاعدة يتوافق عليها شركاء الوطن، وبالتالي لا تتلاقى الأهداف فحسب، بل الأساليب أيضاً. لكنّنا في لبنان وإنّ اتّفقنا على هدف حماية الوطن وشعبه وحريّته واستقلاله وسيادته وكرامته، إلاّ أنّ هناك اختلافاً واضحاً في الأساليب والدروب من أجل الوصول إلى الهدف. حكومة وحدة وطنيّة كما يريدها"حزب الله"وپ"التيّار العوني"، أي على الأقلّ بپ"ثلث معطّل"ستكون حكماً"حكومة شلل". ولن يكون هناك سوى القليل للتوافق عليه، وبهذا ستكون كل القرارات المهمة والمصيريّة عرضة للتأجيل والإهمال وربّما للإلغاء، من دون وجود بدائل أو حلول. وهذا سعيّ متعمّد لشلّ الحكومة ومؤسّساتها تحت شعار"الوحدة الوطنيّة". في غالبيّة الدول الديموقراطية في العالم لا يوجد ما يسمّى حكومات"وحدة وطنيّة"، إلاّ في ظروف خاصّة جدّاً تتلاقى فيها رؤيا تيّارات الحكم ورؤيا تيّارات المعارضة بدرجات أعلى من درجات تباعدها. أما في الحالات العاديّة، فإنّ المعارضات تمارس أدوارها البنّاءة في مواجهة الحكومات وأدائها عبر الوسائل الديموقراطيّة المتاحة على المستويات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والإعلاميّة، بحيث لا تدع إخفاقاً حكوميّاً إلاّ وتقوم بالمساءلة والمحاسبة والمهاجمة وإثارة الفضائح عند الضرورة، ومن ثمّ تحريك القضاء في الحالات التي تتطلّب ذلك. وهذه هي فعلاً المعارضة البنّاءة المفيدة التي يحسب لها الحكم ألف حساب... ويخشاها. لپ"حزب الله"وپ"التيّار العوني"وحلفائهما قاعدة شعبيّة عريضة وعشرات النوّاب وبعض الوزراء ورئيس جمهوريّة ورئيس مجلس نيابي ووسائل إعلام مرئيّة ومسموعة ومكتوبة وإعلاميّون ومحاميو وقانونيّون واتّحادات وتجمّعات... أي أكثر بكثير ممّا تملكه المعارضات التقليديّة في بقية دول العالم. وعليه، في إمكانهم وانطلاقاً من موقعهم المعارض الموالي جزئيّاً من خلال وزرائهم أن يقدّموا الكثير للشعب اللبناني، عبر المراقبة والمحاسبة والمساءلة والتقويم والتصويب من دون حدود. وهم حتماً قادرون على ذلك، وفي إمكانهم إثارة كلّ قضايا الرشوة والفساد والقضايا المثيرة للجدل منذ عام 1990، أي أنّ في مقدورهم"قلب الدنيا من دون إقعادها"خدمةً للبنان واللبنانيين، من خلال نفوذهم النيابي والوزاري والإعلامي لو أرادوا ذلك فعلاً. فالبلاد تدار في شكل أفضل بكثير، في ظلّ وجود معارضة قويّة، وليس في ظلّ انعدام المعارضة تحت شعار حكومة الوحدة الوطنيّة. ولكن أن يطالبوا بتشكيل حكومة وحدة وطنيّة"مشلولة سلفاً"، وهم يدركون تماماً أنّها ستكون كذلك ومن ثمّ يهدّدون باللجوء إلى الشارع وسط احتقان مذهبي وطائفي... هو أمر مثير للريبة والشكّ. وكأنّه يهدف إلى تعطيل قرارات حكوميّة قد تتّخذ قريباً ولا تتمتع بإجماع، لكنها قد تمرّ في التصويت داخل الحكومة الحاليّة ولكنّها حتماً لن تمرّ بالتّصويت داخل"حكومة الوحدة الوطنيّة". من الأفضل أن يتوقّفوا عن التشكيك في وطنيّة الآخرين، وأن يتوقّفوا عن الطّعن بالأكثريّة النيابيّة التي جاءت نتيجة انتخابات كانوا هم جزءاً أساسيّاً فيها، وأن يتوقّفوا عن المطالبة بحكومة وحدة وطنيّة، أو أن يثيروا موضوع قانون الانتخابات الجديد، أو أن يعملوا على فتح ملفّات السرقة والهدر والاختلاسات والجرائم، أو أن يجيّشوا ويستنفدوا كلّ طاقمهم وقدراتهم وطاقاتهم السياسيّة والإعلاميّة والقانونيّة لمراقبة الحكومة ومؤسّساتها، وبذل كلّ المستطاع لإظهار العلّة والخلل في الأداء الحكومي بكلّ صدق وشفافيّة وموضوعيّة... لأنّ تفاقم مثل هذه الأمور - إنّ صحّت - ستؤدّي تلقائيّاً إلى سقوط الحكومة وربّما إلى سقوط نوّابها أيضاً... فالفساد في لبنان غالباً يكون نتيجة تعاون وزاري - نيابي - مؤسّساتي. أيمن شحادة - بريد الكتروني