بين بعض المقربين من الرئيس الصيني هو جينتاو مثقف اسمه جينغ بيجيان. وجينغ هذا سافر الى الغرب في اواخر سبعينات القرن الماضي تلبية لإيحاء من دينغ زياو هسياو بينغ، صاحب تحديث الصين، بعد وفاة ماوتسي تونغ في 1976 قبل ثلاثين عاماً على وجه الضبط. وتعود الى جينغ بيجيان صياغة مفهوم أو شعار"نهوض الصين السلمي"، رداً على مقارنة، ترددت في كتابات ومقالات باحثين وسياسيين غربيين، بين قوة الصين الجديدة مطلع القرن الواحد والعشرين وقوة ألمانيا في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين. وتضمر المقارنة خشية حادة من مترتبات"الوثبة"الصينية على العلاقات الدولية. فهي المقارنة تؤدي الى توقع حرب أو حروب عالمية كتلك التي عصفت بأوروبا أولاً، ثم بالعالم من بعد، وكانت القوة الألمانية المتعاظمة عاملاً حاسماً فيها. وينكر نقاد"النهوض السلمي"على سياسة الصين، وليس على الشعار الذي تزينه كلمة"السلم"، تهديدها تايوان، الجزيرة المستقلة منذ اكثر من سبعين عاماً، بالاجتياح، وتعبئة حكامها ونخبها المشاعر القومية الجياشة، واستثماراتها الكبيرة وبعضها لا تقر به علناً في الصناعات العسكرية، وتأهيل الجيش الضخم الذي يبلغ فوق المليوني جندي. ولما كانت لفظة"نهوض"تستعمل من قبل، ويدل بها الحزب الشيوعي على برنامجه الجغرافي والسياسي ونشدانه القوة والسيطرة، لم تطمئن صفة"السلمي"، بل بعثت على القلق. وبدت تمويهاً وقناعاً يتستران على مقاصد الصين الحقيقية. وتتناول المناقشات هذه المسألة فيما بعض مشكلات الصين الطارئة تمتحن علاقات البلد القديم والضخم بالعالم، وعلاقات العالم به. فالصين، ربما للمرة الأولى في تاريخها، ترى نفسها في مرآة العالم، ونظرته إليها. فهي كانت، الى اليوم، العالم الشاسع والقديم، المكتفي بنفسه، والممتنع من امتحان الخارج والأجنبي بتاريخه السحيق، وحضارته، وعمقه الذي يحجبه عن الأنظار. وأما اليوم، فالدول الأجنبية تستثمر في الصين تقنياتها الجديدة، وتستقبل استثمارات الصين في عقر دارها. ويترتب على هذا، قريباً ومنذ اليوم جزئياً، تقاعد مئات الملايين من العاملين، ودخول مئات الملايين من القرويين والريفيين الحياة المدنية، واشتراكهم فيها. وليس في مستطاع الصين الاضطلاع، وحدها ومن دون عون اجنبي ضخم، بمهمات ثقيلة مثل هذه. وتذهب دراسة اعدها مركز السياسة الخارجية البريطاني، وتولتها شركة الإعلان"يونغ اند روبيكام"، موضوعها تقويم العلامات التجارية في مرآة احكام المستهلكين - الى ان السمة أو العلامة الصينية العامة لا توحي الثقة خارج الصين، ولا تطمئن المستثمرين الأجانب. فالعامل الاقتصادي المحض، مثل مستوى الأجور ومهارة العمال الصينيين، يستميل المستثمرين ويدعوهم الى العمل بالصين. وعلى خلاف رأي الأجانب في بلدهم، يسبغ الصينيون على انفسهم، وعلى بلدهم، اجمل الفضائل وأعلاها، ولا يرون عيباً يعاب عليهم أو مأخذاً. والحق ان الفرق الكبير هذا بين نظرة العالم الى الصين والصينيين وبين نظرة هؤلاء الى العالم قد يكون ثمرة الانقلاب السريع والمفاجئ الذي ألم بالبلد الكبير وبأهله. وشأن هذا الانقلاب إنشاء البيئة الثقافية الوطنية إنشاء مضطرباً ومتنازعاً. فعشرات الملايين من الشباب الصيني يخططون لمستقبل لم يدر ببالهم وهم فتيان، قبل عقدين من الزمن. ويترجح الحزب الشيوعي الحاكم بين البعث على الابتكار والتجديد والمبادرة وبين التمسك بسيطرة سياسية وإيديولوجية خانقة، والتعيش على الفساد ومنه. والترجح بين الوجهين المتضاربين لا يؤاتي بناء صورة وثقافة متماسكتين ومتناغمتين. فالمجتمع الصيني التقليدي، والمقيم في معظمه على تقاليده، يولي مكانة الأسرة وأواصرها. وتدعو حياة المدن، وحراكها الاجتماعي المتسارع والعاصف، القادمين إليها والمقيمين الى الطلاق. وتتبوأ النساء الصينيات مكانة لم يعرفنها في تاريخهن الذي تنازعته الكونفوشيوسية المنزلية والماوية الداعية الى المساواة. فعليهن تصور حياة لا يستغرقها النازعان. وكذلك شأن التقنية. فهي كانت تحل محلاً ثانوياً ومرذولاً في الكونفشيوسية. ورفعتها الماوية اعلى عليين من غير ان تقربها من متناول الصينيين، فعلاً وعملاً، ولكنها اليوم جزء من ابتكار الصينيين وإبداعهم وإسهامهم في الثروة التقنية العالمية. والفرق بين تقويم الصينيين انفسهم وبين تقويم العالم ينذر بمنازعات خطيرة. فيغفل الصينيون، مثلاً، عن تدمير سلعهم الرخيصة المنشآت التجارية والحرفية الصغيرة بأميركا اللاتينية. ويفرحون باستقبال الدول والشركات الكبيرة، الأميركية اللاتينية، طلبهم الكبير على الخامات. ولا يريدون تناول علاقاتهم التجارية على وجهيها المختلفين. وبعض المعاملات الاقتصادية، مثل المشتريات النفطية من السودان وإيران، تصدر عن غايات سياسية في المرتبة الأولى. وهذا النهج لا يهم في بناء الثقة، ولا في إصلاح الإدارة الاقتصادية. وحسبان صينيين كثر ان القوة وحدها محط الإعجاب والثقة، مضلل. ولعل من القرائن الصارخة على تنازع الصين افتتاح تلفزيون جديد، سي سي تي في9، باللغة الإنكليزية، يبث برامج إعلانية ودعاوية على النمط الشيوعي القديم. وتسلط الرقابة على الإنترنت عداوة قل مثيلها، ولكن بعض أسرع كتّاب العالم حركة على الشبكة صينيون. عن جوشوا كوبر رامو ، "نيوزويك" الأميركية ، 24 - 31 / 10 / 2006